همسات نورانية :

[عَذْبَھْہّ]

( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ
لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )
سورة سورة التحريم آية 11

هذه صورة الأخرى لامرأة مؤمنة، لم تصدها إغراءات الكفر و البذخ في قصر زوجها فرعون،
امرأة تفر من متع الدنيا و مغانمها إلى الله تعالى تطلب عظمة وجهه و سلطان جاهه الأزلي،
امرأة تتبرأ من ثراء قصر فرعون مستعيضة عنه ببيت في رحاب جنة ربها، امرأة تبرأت من
رباطها بفرعون سائلة الله النجاة و الخلاص. هي آسية بنت مزاحم من خيار نساء العالمين،
و هي إحدى اثنتين ضرب الله بهن مثلا لتكون قدوة و نبراسا يهتدي به المؤمنون، فكيف لامرأة
تخلف سطوة الجاه و السلطان ورائها باحثة عن خلاصها و نجاتها، و كيف للإنسان يكسر أغلال
الشيطان طلبا للرحمة و الراحة القلبية، اللهم هي قوة الإيمان تملأ منها السمع و البصر، فلا وجه
غير وجه الله، و لا نورا يملأ القلب إلا نوره تعالى، إنها صورة الارتقاء عن زيف الدنيا في أكثر
أحوالها غنى و بسطة، فقد كانت زوجة أعظم ملوك الأرض، و كان مقامها في قصر فرعون
أحسن مكان تلبى فيه حاجة المرأة، لكنها استغنت عن هذا كله بالإيمان الصادق و القلب الورع،
بل و طلبت النجاة من براثن الكفر و الجحود، فطوبى لامرئ تأتيه الدنيا طوعا فينفر منها، رافعا
عينيه إلى السماء بدعاء الصارخ المستمسك بحب الله دون حب الشهوات، لكل هذا فقد استحقت
آسية بيتا في الجنة، و آية في كتاب خالد يتردد في آناء الليل و أطراف النهار ذكرها، فلله درك
امرأة أوفت الإيمان حقه.



عَنْ عَبْدِ الّلهِ بْنِ عَمْرٍو أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: ( الدّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدّنْيَا المَرْأَةُ
الصّالِحَةُ ) رواه مسلم

المرأة وتد البيت وخيطه اللاحم الذي متى احتجب انفصمت عرى البيت و انعدمت أركانه، و خير النساء
متاعا المرأة الصالحة، التي ينظر إليها المرء فتسره، و يأمرها فتطيعه، و إذا حدث و غاب عنها
حفظته في ماله و عرضه. المرأة هي عماد الأسرة، و الأسرة هيئة اجتماعية مصغرة، هي لبنة المجتمع
فكيف يصلح المجتمع إذا فسدت أركانه، و صلاح الأبناء لا يتأتى إلا بصلاح الأم، لذا يصر الإسلام على
معايير اختيار الزوجة، فكان الصلاح أرقى مراتب الاختيار، فالرجل ينتقي المرأة الصالحة التي حدد
الحديث الشريف شروط صلاحها زوجة و أما مستقبلا يقول عليه الصلاة و السلام
( تنكح المرأة لأربع: لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )
متفق عليه. فالدنيا متاع الرجل،
وخير متاع ينعم به الرجل في دنياه المرأة الصالحة. فليلتمس الرجل اللسان الذاكر و القلب الخاشع،
والزوجة المؤمنة تعينه على أمر الدنيا و الآخرة. فالمرأة الصالحة واحدة من أربع أسباب يجلبن السعادة،
و المرأة السوء واحدة من أربع يكن سببا في الشقاء، كما جاء في الحديث الصحيح وفيه قوله صلى
الله عليه وسلم: ( فمن السعادة : المرأة الصالحة تراها فتعجبك، وتغيب عنها
فتأمنها على نفسها ومالك،ومن الشقاء: المرأة تراها فتسوؤك، وتحمل لسانها عليك، إن غبت عنها
لم تأمنها على نفسها ومالك ) و في الاتجاه الآخر لا بد من التروي في القبول بالخاطب الذي
يسعى لنكاح المرأة المسلمة، فالإسلام
لم يغفل عن هذا الجانب و وضع شروطا للقبول بالزوج أو رفضه ( إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه،
إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ) فالتروي لازم في الاختيار، بالبحث المستفيض، و الحرص على
السؤال المدقق الذي يقطع دابر الشك، و التأكد من المعلومات، للانتهاء إلى الخيار الأمثل، فصلاح المرأة
و صلاح الرجل هما السبيل الأوحد للوصول إلى بيت تصدح أركانه بذكر الله.



خولة بنت ثعلبة ( سمع الله شكواها )

خولة بنت ثعلبة بن أصرم بن فهد بن ثعلبة من ربات الفصاحة والبلاغة، تزوجها أوس بن الصامت أخو
عبادة بن الصامت- رضي الله عنهما- و هو ممن شهد بدرا وأحدا، و الموقف كله مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقد راجعت خولة زوجها أوس بن الصامت بشيء فغضب فقال: (أنت علي كظهر أمي)
، ثم خرج الزوج بعد أن قال ما قال فجلس في نادي القوم ساعة ثم دخل عليها يريدها عن نفسها، ولكن
امتنعت حتى تعلم حكم الله في مثل هذا الحدث. فقالت: كلا والذي نفس خولة بيده، لا تخلصن إلي وقد
قلت إلي، وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، وخرجت خولة حتى جاءت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت من زوجها، وهي بذلك تريد أن تستفتيه وتجادله
في الأمر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أمرنا في أمرك بشيء ما أعلمك إلا قد حرمت عليه،
والمرأة المؤمنة تعيد الكلام وتبين لرسول الله ما قد يصيبها وابنها إذا افترقت عن زوجها، وفي كل مرة
يقول لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أعلمك إلا قد حرمت عليه)
وهنا رفعت يديها إلى السماء وفي
قلبها حزن وأسى ،وفي عينيها دموع وحسرة قائلة: (اللهم إني أشكو إليك ما نزل بي) وما كادت تفرغ
من دعائها حتى تغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه عند نزول الوحي، ثم سري عنه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا ) ثم قرأ عليها:
(قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير)
إلى قوله: (وللكافرين عذاب أليم)، ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم كفارة الظهار فقال: ( قد أصبت
وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ، ثم استوصي بابن عمك خيرا ) ففعلت. ومما روي في شأن خولة
رضي الله عنها، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بها في زمن خلافته وهو أمير المؤمنين وكان راكبا
على حمار، فاستوقفته خولة طويلا ووعظته. وقالت له: يا عمر قد كنت تدعى عميراً ثم قيل لك: يا عمر ثم
قيل لك يا أمير المؤمنين فاتق الله يا عمر فإن من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب.
فقيل له: يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الموقف. قال رضي الله عنه: ( والله لو حبستني من أول النهار
إلى آخره ما زلت إلا للصلاة المكتوبة، إنها خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب
العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟!!) .



دع المقـادير تجـرى فـي

أعنتهـا ولا تبيتـن إلا خـالـي البــال



اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
اللهم لك الحمد حتى ترضى و لك الحمد إذا رضيت و لك الحمد بعد الرضا
اللهم لك الحمد على نعمة الإيمان بك وشرف الإسلام لك
اللهم لك الحمد أنت وحدك المتفرد بالعطاء والمتفرد بالمن
اللهم لك الحمد على كل نعمة أنعمت بها علي ولم أحمدك عليها و لك الحمد
على كل نعمة أنعمت بها على أحد من خلقك ولم يحمدك عليها
اللهم لك الحمد حمدا طيبا مباركا ملء الأرض وملء السماوات وملء ما بينهما
وملء ما شئت إن تحمد اللهم لك الحمد
اللهم أمين اللهم تقبل.