|
أحآسيس جميلة وهمسـآت دآفئه قصآئِد آلآعضآء آلخآصهـَ بِآقلآمِهٌم أو منقولهـ |
للإتصال بالإدارة عند حدوث أي مشكلة أو إبداء رأي
![]() |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#1 | ||||||||
![]()
|
![]()
بقلم الشيخ العلامة الأديب علي الطنطاوي
كلفتني محطة الشرق الأدنى أن أكتب قصة لتذاع عني أول يوم من عيد الأضحى,وهذا هو العيد قد حل حلت عليكم فيه البركات والخيرات ,ولكن القصة لم تكتب إن لها قصة يا سادة فاسمعوا قصتها.............. أنا رجل من طبعه التأجيل والتسويف ,أؤخر الأمر ما دام في الأجل فسحة,أرجئه إلى آخر لحظة منه,ثم أقوم كالمجنون أنط قافزا مثل الأرنب الذي زعم (أخونا...)لافونتين أنه نام حتى سبقته السلحفاة,وإن لم أكن رأيت في عمري سلحفاة تسبق أرنبا... فلما ورد علي كتاب المحطة نظرت فإذا بيني وبين موعد الإذاعة أمد طويل فاطمأننت ونمت ,حتى إذا كانت ليلة العيد ,ولم يبق أمامي إلا ساعات معدودة,أكتب فيها القصة وألحق بها البريد الجوي,أخذت قلمي وصحيفتي لأكتب فسدت علي أبواب القول ومنافذه وكواه...وعدت مرتجا علي محبوسا لساني كأني ما مارست الكتابة قط ,وكذلك نفس الأديب يا سادة تتفتح تفتح الينبوع الدفاق ,ثم تشح شح الصخرة الصماء ما تبض بقطرة ماء ,ولكن الناس لا يصدقون ذلك:إنهم يحسبون الكاتب يخرج المقال من نفسه كما يخرج التاجر البضاعة من دكانه, ولا يدرون أن هذا الكلام يجيء أحيانا حتى لايقدر الأديب على رده,ويعزب حينا حتى لا يلقاه,وأنه يعلو ويصفو وينزل ويتعكر ,وما عجزت الليلة عيا ولا فهاهة ,فأنا أكتب في الصحف من عشرين سنة ,ولكن الكتابة بالأجر بيع وشراء,ولكل مبيع ثمن ,وأنا أحب أن أتصف وأنصف الناس من نفسي, لذلك كلما رأيتني سقطت على موضوع وزنته فوجدته لايساوي الثمن الذي تدفعه لي المحطة فتركته وفتشت عن أغلى ,وكلما خطرت لي فكرة طمحت إلى أعلى,حتى كاد يمضي الوقت ولم أصنع شيئا,ونزل بي ما نزل بالأستاذ توفيق الحكيم لما كلفوه أن يضع حوارا للفيلم وجعلوا له جعلا ضخما,فحصر فيه فكره,وحشد له قواه,وفر لأجله من داره .ثم انتهى به الأمر أن ألف كتاب (الحمار)ولم يضع الحوار . عند ذلك أيست ولبست ثيابي ,وهربت إلى الأسواق . جلت في الأسواق,وأسواق دمشق ليلة العيد كأنها المحشر,قد أوقدت فيها المصابيح ,وفتحت المخازن,وانتشر الباعة ,وتدفق عليها أهل البلد والفلاحون ,بالأزياء المختلفة واللغات المتباينات ,وكل بائع ينادي برفيع صوته,وكل مشتر يصيح وكل مجتاز يتكلم ,والبضائع معروضات من كل مأكول وملبوس ومفروش ومنظور ومشموم ,كل يريد أن يعد الليلة عدته للعيد فيشتري فيها طعامه ولباسه... وكنت أسيرا في هذا الزحام شارد الذهن, نازح الفكر أعمل عقلي في هذه القصة...التي وعدت بها المحطة,فأعلنت عنها وبشرت بها ,ثم لم أستطع أن أكتبها ,حتى وصلت إلى (باب المصلى)فإذا أنا بحشد عظيم من الناس قد احتشد حيال دكان ,فدفعني الفضول إلى معرفة الخبر,فأقبلت أدفع الناس بكتفي,وأشق طريقي بيدي كلتيهما وأطأ أعقاب الناس وأقدامهم ,وأصغي إلى هذا الفيض العجيب من...النثر الفني الذي جادت به قرائحهم, فتدفق علي من ألسنتهم, حتى بلغت المشهد ونظرت... نظرت,فرأيت اثنين يختصمان ويعتركان ,أما أحدهما فكان مسكينا قميئا أعزل عاجزا ,وأما الأخر فكان ضخما طوالا كالح الوجه,مفتول العضل,وسخ الثوب ,قد حمل سكينا في يده طويلة النصل ,حديده الشفرة ,وهجم بها على صاحبه والناس ينظرون ولا ينكرون وصاحبه المسكين يصرخ ويتلفت, تلفت المذعور, ويطلب الغوث ولا يغيثه أحد, ويبتغي المهرب فيسد عليه طريق الهرب... وإني لأفكر ماذا أصنع ...وإذا بالخبيث العاتي يذبحه والله أمامنا ذبحا يتخبط بدمه,ويوليه ظهره ويمضي إلى دكانه متمهلا ,فيعالج فيها شأنه على عادته,كأنه لم يرتكب جرما يأت الأمر النكر جهارا! وكدت أهجم عليه ,وأسلمه إلى الشرط.ثم ذكرت أن الشجاعة في مثل هذا الموطن تهور وحماقة ,وأن المجرم بيده السكين ,لا يمنعه شيء أن يتحرك أحد الواقفين فيقدم عليه فأتبعه وأشد أزره ,فلا والله ما تحرك أحد منهم ,ولا جرؤ على ذلك ,بل لقد تكلم واحد منهم ,فلما رفع القاتل رأسه ونظر إليه رأيته يجزع منه ويفزع,ويقول له بصوت مضطرب متلجلج الله يسلم يديك)! وحرت ماذا أعمل:أأبلغ الشرطة أو أدعهم وأمضي إلى داري لا علي ولا لي؟ثم رأيت خير ما أفعل أن أكتب وصف ما رأيت, وأبعث به ليذاع ويعرفه الناس. وهاأنذا أتهم هذا الرجل بالقتل ,وأدعو الحكومة إلى القبض عليه حتى يعاقب ويكون عبرة لمن يعتبر .ولا يحسبن أحد أنه فر,أو أن القصة متخيلة أو مكذوبة,أو أنها من أساطير الأولين ,أو من أخبار العصور الخوالي,فالقاتل موجود في دكانه,يغدو إليها ويروح إلى بيته,والقصة صحيحة رأيتها بعيني رأسي وأنا سالم العقل غير مجنون ولا معتوه,متيقظ غير نائم ولا حالم ,صاح غير مخدر ولا سكران ,ثم إني رأيتها الليلة البارحة ! هذه هي الحادثة الفظيعة التي كتب الله أن تكون هي موضوع قصتي التي فكرت فيها وأطلت التفكير فكيف رآها الناس فلم يحلفوا بها ولم يأبهوا لها؟أفسدت الأخلاق,وضاعت المروءات حتى لا ننكر الأمر النكر أم خارت العزائم ,وانخلعت القلوب حتى لا نجرؤ على المجرم الظالم؟وهل نامت الحكومة في الشام نومه أهل الكهف حتى ما تدري بالدم يسيل في شارع من أكبر شوارع دمشق؟ لقد سكت الجميع ,حتى أن أنسباء القتيل قد ناموا عن دمه ,وقعدوا عن الثأر له ,ولم يتقدم أحد منهم شاكيا ولا مدعيا لأن القاتل كما قالوا,عازم على ذبحهم كلهم إن قدر عليهم ,وماضيه حافل بمثل هذه الجرائم. فما سر هذا السكوت ؟ لقد علمت السر بعد يا سادة... ذلك أن المسكين الشهيد كان خروف من خرفان الضحية ,وأن القاتل كان جزار الحارة,وأن الناس شاركوه في جرمه ,فأكلوا لحم الذبيح مشويا ومقليا ومطهيا وأكلت معهم ,ونسيت من طيب اللحم هذا المشهد. هذه هي سنة الحياة ,يموت المسكين لنستمتع نحن بأكلة طيبة ,فكلوا منه أنتم أيضا هنيئا واشربوا مريئا ,واشتغلوا بالأكل عن مطالبتي بالقصة. وكل عام وأنتم بخير!. |
||||||||
![]() |
![]() |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
صور قديمة للنادي من وحيد العيد | صقار زعب | ذكريات عيونية مصورة | 8 | 05-31-2014 04:56 PM |
اليكم أهم صفات الأشخاص حسب اليوم الذي ولدوا فيه | ياعين ابوي | الـمــلـــتـــقــى الـــعـــام | 3 | 10-19-2008 12:14 AM |
مسجات عيد الفطر السعيد .. لأحلى أعضاء | لحظة وفا | الـمــلـــتـــقــى الـــعـــام | 11 | 09-29-2008 09:30 AM |
العــــــــــــيد | مياس | الـمــلـــتـــقــى الـــعـــام | 4 | 10-09-2007 12:52 AM |
العــــــــــــيد | مياس | الـمــلـــتـــقــى الـــعـــام | 0 | 10-18-2006 04:57 PM |