رقَمْ آلع’َـضويـہ:
601 |
التسِجيلٌ :
Sep 2005 |
مشَارَڪاتْي :
4,138 |
♣
نُقآطِيْ
»
|
|
قوافل العائدين - لفضيلة الشيخ / خالد الراشد ( محاضرة مفرغة )
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .. حياكم الله و بياكم .. و سدد على طريق الحق خطاي و خطاكم .. أسال الله العظيم رب العرش الكريم .. أن يجمعني و إياكم في دار كرامته .. إخواننا على سرر متقابلين .. أساله سبحانه أن يغفر ذنب المذنبين .. و يقبل توبة التائبين .. و أن يدل الحيارى و يهدي الضالين .. و يغفر للأحياء و الميتين .. أمر الله عز و جل بالتوبة فقال : { و توبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } و وعد جلا في علاه بالقبول فقال : { و هو الذي يقبل التوبة عن عباده } ثم فتح الرحمان باب الرجاء فقال : { لا تقنطوا من رحمة الله} أخرج مسلم من حديث أبن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( يأيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة ) و أوحى الله إلى داود عليه السلام : يا داود لو يعلم المدبرين عني كيف انتظاري لهم .. و رفقي بهم .. و شوقي إلى ترك معاصيهم .. لماتوا شوقا إلي .. و لتقطعت أوصالهم من محبتي .. يا داود هذه إرادتي في المدبرين عني .. فكيف إرادتي في المقبلين علي ؟!..
يا من يرى ما في الضمير و يسمعوا *** أنت المعد لكل ما يتوقعٌ
يا من يرجى للشدائد كلها *** يا من إليه المشتكي و المفزعٌ
يا من خزائن رزقه في قول كن فيكون *** و الخير كله عندك أجمعٌ
مالي سواء فقري إليك وسيلة *** فالافتقار إليك فقري إليك أرفعٌ
مالي سواء قرعي لبابك حيلة *** فلئن رددت أي باب أقرعٌ
و من ذا الذي أدعوه و أهتف باسمه *** إن كان فضلك عن فقيرك يمنعٌ
حاشاك أن تقنط من فضلكِ عاصياً .. الفضل أجزل .. و المواهب أوسع .. عنوان اللقاء.. قوافل العائدين .. نعم قوافل العائدين .. و سيتكون اللقاء من مقدمة و بداية و ختام و بينهما أخبار خمسة :
الخبر الأول : لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب .
الخبر الثاني : سبحان مغير الأحوال .
الخبر الثالث : أترضى أن تكون مثل هذا .
الخبر الرابع : طريق المخدرات .
الخبر الخامس : هدايتي على يديكِ .. ثم الختام .. فإلى أول الكلام ..
أول الكلام روى البخاري رضي الله عنه من حديث أبو هريرة رضي الله عنه قال .. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم .. إن لله ملائكة يطوفون في الطريق , يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا , هلموا إلى حاجتكم .. قال : فيحفونهم بإجنحتهم إلى السماء الدنيا قال فيسألهم ربهم جلا في علاه و هو أعلم بهم , قال: ما يقولون عبادي قال : يقولون يسبحونكِ , و يكبرونكِ , و يمجدونكِ , و يحمدونكِ , فيقول جلا في علاه : هل رأوني ؟ قال : فيقولون : لا و الله ما رأوك , قال : فيقول : كيف لو رأوني ؟!.. قال : يقولون : لو رأوك كانوا أشد لك عبادة , و أشد لك تمجيدا , و تحميدا , و أكثر تسبيحاً , اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك , و الشوق إلى لقائك , في غير ضراء مضرة , و لا فتنة مضلة , اللهم زينا بزينة الإيمان , و اجعلنا هداة مهتدين , قال : فيقول جلا في علاه : و ما يسألوني؟ قال : فيقولون : يسألونك الجنة , قال : فيقول : هل رأوها ؟ قال : يقولون : لا و الله يا ربي ما رأوها قال : فيقول : و كيف لو رأوها ؟ قال : يقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا , و أشد طلبا , و أعظم فيها رغبة , فأين المشمرون ؟.. أين المشمرون ؟.. قال : فيقول : فمما يتعوذون ؟ قال : يقولون : من النار قال : فيقول : هل رأوها ؟ قال : يقولون : لا و الله يا ربي ما رأوها قال : فيقول : كيف لو رأوها ؟ قال : يقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فرارا , و أشد لها مخافة , اللهم أجرنا من النار , اللهم أجرنا من النار , اللهم أجرنا من النار , قال : فيقول : أشهدكم أني قد غفرت لهم .. فابشروا يا أهل هذه المجالس قال : يقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة فيقول جلا في علاه : وله قد غفرت ..هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم .. نعم ابشروا يا أهل هذه المجالس .. فربكم ذو رحمة واسعة .. أسمع منادي الله ينادي .. إلا قد طال شوق الأبرار إلى لقائي .. و إني أشد شوقا لهم .. ألا من طلبني وجدني .. و من طلب غيري لم يجدني .. من ذا الذي أقبل علي و ما قبلته .. من ذا الذي طرق بابي و ما فتحته .. من ذا الذي توكل علي و ما كفيته .. من ذا الذي دعاني و ما أجبته .. من ذا الذي سألني و ما أعطيته .. أهل ذكري أهل مجالستي .. أهل شكري .. أهل زيادتي .. أهل طاعتي .. أهل كرامتي .. و أهل معصيتي لا أقنطهم أبدا من رحمتي .. و أهل معصيتي لا أقنطهم أبدا من رحمتي .. إن تابوا فأنا حبيبهم .. و إن لم يتوبوا فأنا طبيبهم .. أبتليهم بالمصائب .. لأطهرهم من المعايب .. من أقبل علي تقبلته من بعيد .. و من أعرض عني ناديته من قريب .. و من ترك لأجلي أعطيته المزيد .. و من أراد رضاي أردت ما أريد .. و من تصرف بحولي و قوتي ألنت له الحديد .. من صفاء معي صافيته .. من أوى إلي آويته .. من فوض أمره إلي كفيته .. و من باع نفسه مني اشتريته .. و جعلت الثمن جنتي و رضاي .. وعد صادق و عهد سابق ..و من أوفى بعهده من الله .. يا فرحة التائبين بمحبة الله .. فيا فرحة التائبين بمحبة الله .. {إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين } ألهج بحمده و أهتف بشكره .. و قل اللهم أنت ربي .. لا إله إلا أنت .. خلقتني و أنا عبدك .. و أنا على عهدكِ و وعدكِ ما استطعت .. أعوذ بكِ من شر ما صنعت .. و أبوا إليكِ بنعمتكِ علي .. و أبوا بذنبي فأغفر لي .. فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .. قل : أنا الميت الذي أحييته فلكِ الحمد .. و أنا الضعيف الذي قويته فلك الحمد .. أنا الصغير الذي ربيته فلكِ الحمد .. أنا الفقير الذي أغنيته فلكِ الحمد .. أنا الضال الذي هديته فلك الحمد .. أنا الجاهل الذي علمته فلك الحمد .. أنا الجائع الذي أطعمته فلك الحمد .. لك الحمد كله .. و لك الشكر كله .. و بيدكِ الخير كله .. و إليكِ يرجع الأمر كله ..لا إله إلا أنت ..
يا ربي حمدا ليس غيرك يحمدٌ *** يا من له كل الخلائق تصمد ٌ
أبواب غيرك ربنا قد أوصدت *** و رأيت بابك واسع لا يوصدٌ
روي عن منصور أبن عمار قال : قال : خرجت ليلة و ظننت أني أصبحت , و إذا علي ليل , فقعدت عن بابٍ صغير , فإذا بصوت شابٍ يبكي و يقول : و عزتك و جلالتك ما أردت بمعصيتي مخالفتك , و قد عصيتك حين عصيتك , و ما أنا بنزالك جاهلا , و لا لعقوبتك متعرضا , و لا بنظرك مستخفا , و لكن سولت لي نفسي , و غلبتني شقوتي , و غرني سترك المرخي علي , فالان من عذابك من يستنقذني , و بحبل من أعتصم إن قطعت حبالك عني .. واسوئتاه من أيام في معصية ربي .. و يا ويلي كم أتوب و كم أعود .. و قد حان لي أن أستحي من ربي .. قال منصور : فلما سمعت كلامه قلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم{ يأيها الذين أمنوا قوا أنفسكم و أهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون } قال: فسمعت صوتا , و اضطرابا شديدا , و مضيت لحاجتي , فلما أصبحنا رجعت , و إذا أنا بجنازة على الباب , و عجوزا تذهب و تجيء , فقلت لها : من الميت ؟ فقالت : لا تجدد علي أحزاني , قلت : إني رجلا غريب , فقالت : هذا ولدي مر بنا البارح رجلا لا جزاه الله خيرا قرأ آية فيها ذكر النار فلم يزل ولدي يضطرب و يبكي حتى مات , قلت : إن لله و آن إليه راجعون , قلت : هكذا و الله صفة الخائفين يا أبن عمار , سبحان من وفق للتوبة أقواما , و ثبت على صراطها أقوما .. يا من ليس لي منه مجيرا .. بعفوك من عذابكِ أستجيرٌ .. إن تعذبني فبعدلك .. و إن ترحمني فأنت به جديرٌ .. إن علاج مشاكل الشباب و الشيب .. و أصحاب الهموم و الغموم .. هو الفرار إلى الله بلا انضمام إلى قوافل العائدين .. نعم الانضمام إلى قوافل العائدين .. العائدين إلى الله بعد طول غياب .. الذين أحرقتهم الذنوب و المعاصي .. الذين جربوا الحياة في الظلام ثم اكتشفوا النور .. الذين بدلوا ذل المعصية بعز الطاعة .. الذين انتصروا على النفس و الهوى و الشيطان .. الذين آثروا الجنة على النار .. الذين ندموا على ما فرطوا في جنب الله .. قال صلى الله عليه و سلم : ( الندم توبة , قال بعضهم : إن العبد ليذنب الذنب فمل يزال نادما حتى يدخل الجنة فيقول إبليس : ليتني لم أوقعه في الذنب , و قال طلق ابن حبيب : إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد , و لكن أصبحوا تائبين و أمسوا تائبين , ليس عيب أن تخطى , و لكن كل العيب أن تصر على الخطأ , عيب أن تتماد في الخطأ , عيب أن تنسى فضل الله عليك , عيب أن تنسى رقابة الله لك , جاء رجل إلى إبراهيم أبن أدهم قال : يا إبراهيم لقد أسرفت على نفسي بالذنوب و المعاصي , فقل لي في نفسي قولا بليغاً , قال : أعظك بخمس قال : هات الأولى , قال : الأولى : لا تأكل من رزق الله و أعصي الله , قال : كيف يا إبراهيم و هو الذي يطعم و لا يُطعم ؟!.. قال : عجبا لك تأكل من رزقه و تعصيه !.. قال : هات الثانية : قال : الثانية : لا تسكن في أرض الله و أعص الله , قال : كيف يا إبراهيم الأرض أرضه و السماء سمائه ؟!.. قال : عجبا لك تأكل من رزقه و تسكن في أرضه و تعصيه !.. قال : هات الثالثة , قال : الثالثة : اذهب في مكان لا يراك فيه الله و أعصي الله , قال : أين يا إبراهيم و هو الذي لا تأخذه سنة و لا نوم ؟!.. قال : عجبا لك تأكل من رزقه و تسكن في أرضه وفي كل مكان يراك ثم تعصيه !.. قال : هات الرابعة , قال : الرابعة : إذا أتاك ملك الموت ليقبض الروح فقل له : إني لا أموت الآن قال : من يستطيع يا إبراهيم ؟!.. و الله يقول { فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون } قال : عجبا لك تأكل من رزقه و تسكن في أرضه وفي كل مكان يراك و لا تستطيع رد الموت إذا أتاك و تعصيه , قال : هات الخامسة , قال : الخامسة : إذا جاءك الزبانية ملائكة العذاب تأخذك إلى النار فخذ نفسك إلى الجنة , قال : من يستطيع هذا يا إبراهيم ؟!.. قال : عجبا لك تأكل من رزقه و تسكن في أرضه وفي كل مكان يراك و لا تستطيع رد الموت إذا أتاك و تملك لنفسك جنة و لا نار ثم تعصيه , قال : أسمع يا إبراهيم أنا أستغفر الله و أتوب إليه , فأعلنها توبة و إنابة و فرار إلى الله أعلنها رجعة و انضمام إلى قوافل العائدين , و أنت .. نعم أنت .. إياك أعني .. يا من تأكل من رزقه, و تسكن في أرضه ,وفي كل مكان يراك, و لا تستطيع رد الموت إذا أتاك , و تملك لنفسك جنة و لا نار , أما آن أن تتوب , و تستغفر علام الغيوب , أما آن أن تنظم إلى قوافل العائدين ..
أما آن لما أنت فيه متأب *** و هل لك من بعد الغياب إيابٌ
تقظت بك الأعمار في غير طاعة *** سواء عمل ترجوه و هو سرابٌ
و ليس للمرء سلامة دينه *** و عزلة فيها الجليس كتابٌ
كتاب حوى العلوم بكلها *** و كل ما حوى من العلوم صوابٌ
ففيه الدواء لكل داء فأظفر به *** فوا الله ما عنه ينوب كتابٌ
تعال نسمع أخبار أصحاب تلك القوافل .. ماضياً و حاضراً .. تعال نأخذ العبرة من قصصهم .. قصصٌ ممزوجة بالندم و الدموع .. قصصٌ مليئة بالصور و العبر .. يشكو أصحابها قبل الانضمام إلى قوافل العائدين من الهموم و الغموم .. مآسي و آهات .. غرقوا في لجج المعاصي و المنكرات .. فمن خمورا .. و مخدرات .. و فواحش .. و منكرات .. و كانت النجاة بالفرار إلى الله .. و الانضمام إلى قوافل العائدين ..
الخبر الأول : لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ..
عن أبي هشام الصوفي رحمة الله قال : أردت البصرة فجاءت إلى سفينة أركبها , و فيها رجل معه جارية فقال لي الرجل : ليس ها هنا موضع , فسألته الجارية إن يحملني ففعل , فلما سرنا دعا الرجل بالغداء فوضع , فقالت الجارية : أدعو ذلك المسكين يتغدى معنا , فجاءت على أنني مسكين فلما تغدينا قال : يا جارية هاتي شرابكِ فشرب , و أمرها أن تسقيني فقالت : يرحمك الله أن للضيف حقا , فتركني , فلما دب فيه الشراب ,قال : يا جارية هاتي عودكِ , و هاتي ما عندكِ , فأخذت العود و غنت , ثم ألتفت إلي و قال : أتحسن مثل هذا ؟ فقلت عندي ما هو أحسن منه , و خير منه , فقال : قله قلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم { إذا الشمس كورت * و إذا النجوم انكدرت * و إذا الجبال سيرت * و إذا العشار عطلت * و إذا الوحوش حشرت * , إذا البحار سجرت * و إذا النفوس زوجت * و إذا الموءدة سألت * بأي ذنب قتلت } و جعل الرجل يبكي حتى انتهيت إلى قوله { و إذا الصحف نشرت } فقال : يا جارية أذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى , ثم ألقى ما معه من الشراب , و كسر العود , ثم دعاني فأعتنقني , و جعل يبكي و يقول : يا أخي أترى أن الله يقبل توبتي , قلت : نعم إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين , قلت : نعم و هو الذي يقبل التوبة عن عباده , و يعفو عن السيئات , فتاب و استقام و تبدل حاله , و صاحبته بعد ذلك أربعين سنة حتى مات , فرأيته في المنام فقلت له : إلى ما صرت فقال : إلى الجنة قلت : بماذا؟ قال : بقراتك علي { إذا الصحف نشرت } .. فلا إله إلا الله :كيف سيكون حالي و حالك إذا الصحف نشرت ؟ .. و { إذا السماء كشطت * و إذا الجحيم سعرت * و إذا الجنة أزلفت * علمت نفساً ما أحضرت } .. { يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية } .. فلا إله إلا الله إذا نطقت العينان , و قالت : أنا للحرام نظرت .. لا إله إلا الله إذا نطقت الأذنان , و قالت : أنا للاغاني للحرام سمعت .. و لا إله إلا الله إذا نطقت اليدان .. و قالت : أنا للربا و الحرام أخذت .. فلا إله إلا الله إذا نطقت .. و قالت : أنا للحرام مشيت .. { اليوم نختم على أفواههم و تكلمنا أيديهم و تشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون } .. { و ما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم و لا أبصاركم و جلودكم و لكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون } .. { و ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين } .. { فأن يصبروا فالنار مثوى لهم و إن يستعتبوا فما هم من المعتبين } ..
مثل لقلبك أيها المغرور *** يوم القيامة و السماء تمورٌ
قد كورت شمس النهار و أضعفت *** حر على رأس العباد تفورٌ
و إذا الجبال تقلعت بأصولها *** فرأيتها مثل السحاب تسيرٌ
و إذا النجوم تساقطت و تناثرت *** و تبدلت بعد الضياء كدورٌ
و إذا العشار تعطلت عن أهلها *** خلت الديار فما بها معمورٌ
و إذا الوحوش لدى القيامة أحظرت *** و تقول للأملاك أين نسيرٌ؟؟
فيقال سيروا تشهدوا فضائح *** و عجائب قد أحظرت و أمورٌ
و إذا الجنين بأمه متعلق *** خوف الحساب و قلبه مذعورٌ
هذا بلا ذنب يخاف لهوله *** كيف المقيم على الذنوب دهورٌ
حتى ننجو و نفوز في ذلك اليوم و نفلح .. لابد من الفرار إلى الله .. بلا انضمام إلى قوافل العائدين .. قال سبحانه : { و توبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون }
الخبر الثاني : سبحان مغير الأحوال .
قال الراوي : لقد تغير صاحبي .. نعم تغيير .. ضحكاته الوقورة تصافح أذنيك كنسمات الفجر الندية .. و كانت من قبل ضحكات ماجنة .. مستهترة تصك الأذان و تؤذي المشاعر .. نظراته الخجولة تنم عن طهر و صفاء .. و كانت من قبل جريئة و قحة .. كلماته تخرج من فمه بحساب .. كانت من قبل يبعثرها هنا و هناك .. تصيب هذا.. و تجرح ذاك .. لا يعب بذلك و لا يهتم .. وجهه هادئ القسمات تزينه لحية وقورة .. تحيط به هالة من نور .. و كانت ملامحه من قبل تعبر عن الانطلاق و عدم المبالاة و الاهتمام .. نظرت إليه .. و أطلت النظر في وجهه .. ففهم ما يدور هي خاطري .. و قال : لعلك تريد أن تسأل ماذا غيرك ؟ قلت : نعم هو ذاك .. فصورتك الذي أذكرها منذ أخر مرة منذ سنوات تختلف عن صورتك الآن .. فتنهد قائلا : سبحان مغير الأحوال , قلت : لابد أن وراء ذلك قصة , قال : نعم و سأقصها عليكِ , ثم ألتفت إلي قائلا : كنت في سيارتي على طريقا ساحلي , و عند أحد الجسور الموصلة إلى أحد الأحياء , فوجئت بصبي صغير يقطع من أمامي الطريق , فارتبكت , و اختلت عجلة القيادة من يدي , و لم أشعر إلا و أنا في أعماق المياه , رفعت رأسي إلى أعلى لأجد متنفسا و لكن الماء بدأ يغمر السيارة من جميع نواحيها , مددت يدي لأفتح الباب فلم يتفتح , هنا تأكدت أني هلك لا محالة , و في لحظات لعلها ثواني مرت أمامي ذهني صور سريعة متلاحقة , هي صور حياتي الحافلة بكل أنواع العبث و المجون , و تمثل لي الماء شبحا مخيفا , و أحاطت بي الظلامات كثيفة , و أحسست أني أهوي إلى أغوار سحيقة مظلمة , فانتابني فزعا شديد , فصرخت بصوت مكتوم يا رب , أمن يجيب المضطر إذا دعاه , و درت حول نفسي , مادا ذراعي , أطلب النجاة لا من الموت الذي أصبح محققا , بل من خطاياي التي حاصرتني , و ضيقت علي الخناق , أحسست بقلبي يخفق بشدة , فانتفضت و بدأت أزيح من حولي تلك الأشباح المخيفة , و أستغفر ربي قبل أن ألقاه , أحسست أن كل ما حولي يضغط علي , كأنما استحالت المياه إلى جدران من الحديد , فقلت : إنها النهاية لا محالة , فنطقت بالشهادتين , و بدأت أستعد للموت , و حركت يدي فإذا بها تنفذ في فراغ , فراغ يمتد إلى خارج السيارة , و هي الحال تذكرت إن زجاج السيارة الأمامي مكسور , شاء الله أن ينكسر في حادث منذ ثلاثة أيام , و قفزت دون تفكير , و دفعت بنفسي من خلال هذا الفراغ , و خرجت من أعماق الماء , إذا الأضواء تغمرني , و إذا بي خارج السيارة , و نظرت فإذا جمع من الناس يقفون على الشاطئ , و كانوا يتصايحون بأصوات لم أتبينها , و لما رأوني نزل اثنان منهم , و أخرجاني من الماء , و قفت على الشاطئ ذاهلا عما حولي , غير مصدقا أني نجوت من الموت , و أني الآن بين الأحياء , كنت أتخيل السيارة هي غارقة في الماء , فأتخيلها تختنق و تموت , و قد ماتت فعلا , وهي الآن راقدة في نعشها أمامي , لقد تخلصت منها و خرجت , خرجت مولودا جديدا , لا يمت إلى الماضي بسبب من الأسباب , أحسست برغبة في الركض بعيدا , الهرب من هذا المكان , المكان الذي دفنت فيه الماضي الدنس , مضيت .. مضيت إلى البيت , إنسانا آخر غير الذي خرجا قبل ساعات , دخلت البيت , و كان أول ما وقع عليه بصري صورا معلقة على الحائط , للممثلات , و راقصات , و مغنيات , اندفعت إلى الصور أمزقها , ثم ارتميت على سريري أبكي , و لأول مرة أبكي , أحس بالندم على ما فرطت في جنب الله , فأخذت الدموع تنساب في غزارة من عيني , و أخذ جسمي يهتز , و بينما أنا كذلك إذا بصوت طالما سمعته و تجاهلته , إنه صوت الأذان يجلجل في الفضاء , و كأني أسمعه لأول مرة ....
و جلجلت الأذان في كل حيا *** و لكن أين صوت من بلالٍ؟؟
منائركم علت في كل ساحِ *** و مسجدكم من العباد خالي ..
يقول : فانتفضت واقفا , و تؤضأت , و في المسجد بعد أن أديت الصلاة , أعلنت توبتي و جلسة أبكي , أدعو الله أن يغفر لي خطيئتي , و منذ ذلك الحين , و أنا كما ترى , قلت : هنيئا لك الدموع الحارة , و هنيئا لك الانضمام إلى قوافل العائدين , قال سبحانه : { يأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا } و قال صلى الله عليه و سلم : ( كل أبن آدم خطاء و خير الخطئون التوابون ) قال عمر رضي الله عنه : ( التوبة النصوح أن يذنب العبد ثم يتوب فلا يعود فيه ) و قال الحسن البصري : (التوبة النصوح ندم بالقلب , و استغفار باللسان , و ترك بالجوارح , و إضمار بإن لا يعود ) قال يحي أبن معاذ : ( علامة التائب إسبال الدمعة و حب الخلوة و المحاسبة للنفس في كل همه ) اللهم اجعلنا من التوابين .. و اجعلنا من المتطهرين .. الذين لا خوفا عليهم و لا هم يحزنون ..
الخبر الثالث : أترضى أن تكون مثل هذا .
شابا صالحا يقول : كان لي قريبا بعيد .. قربة النسب , و أبعده الدين , و بحكم إطلاعي على دقائق حياته , و تفاصيل أيامه تأكد لي أنه لا يصلي مطلقا , و مثله كثير , نصحته مرات و مرات لعله يتعجل في إصلاح أمره , و يستقيم في صفوف المصلين , و لمنه كان يقدم و يؤخر , و يظن أن العمر طويل , و الحياة دائمة , هلك المسوفون , و المسوف الذي يقول سأتوب , و هو مصر على الذنب , كم قلت له : كم ستعيش عشرين .. ثلاثين.. بل ثمانين ثم ماذا ؟!!.. لابد من الرحيل من دار الغرور , طالت بك الأيام أم قصرت بك الليالي , و في ليلة لم يتوقعها , في ليل مظلم .. أستحوذ عليه الشيطان فأنساه ذكر الله .. أطلق قدميه تركض في أوحال المعصية , و أوزار الجريمة , ألهته الأماني , و غرته نسمة الحياة و بهجة الدنيا , و مثله كثير , استحوذا عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله , و فأجاه على غير موعد .. نزل به نازل , و طرق بابه طارق .. و لم يكن هذا الضيف ليزوره إلا هذه المرة فحسب ,, و لمنها زيارة ثقيلة ,مؤلمة .. إنه الزائر الذي لا يرد .. حاول أن يوخره .. أن يوجله فلم يستطيع .. أراد أن يتفاهم معه فلم يستطيع .. أراد أن يدفعه بالدواء , و الطبيب , بالمال , و الأولاد , فلم يستطيع .. حاول بكل الوسائل الدفاعية .. فلم يستطيع .. { و حيل بينهم و بين ما يشتهون } .. انتهى كل شي .. هوت آمال عظام .. و أحلام كالجبال .. حشرج الصدر , و ضاقت الأنفاس , و غادرت الروح و أمامه أسئلة صعاب , و جنة و نار , هلك المسوفون , يقول الشاب : لم يكن هو أول من غادر الحياة بهذه السرعة من أسرتي, و لم يكن هو الشاب الوحيد الذي فقدناه , و لكن .. كان لحياته فجيعة , و لموته عبرة , و كان يوم موته , و دفنه , و الصلاة عليه يوما مشهودا ,غاب عنه كثير و كنت أولهم , فكيف أصلي على من حرم الله عز و جل و رسوله الصلاة عليه ؟.. لم أصلي عليه طاعة و عبادة لله حتى تم كل شي , يقول الشاب : ثم اجتمعت و أقاربي في مجلس ضم الكثير , و أكثرهم عالم بأمور الدنيا , جاهل بأمور الدين , كما قال الله : { يعلمون ظاهر من الحياة الدنيا و هم عن الآخرة هم غافلون } .. فقام أحدهم شاهر سيفه , و مصوب سهمه , و رافعا صوته باستغراب يملؤه الاستهزاء , و هو يسمع الجميع : أين أنت عن صلة الرحم و القيام بالواجب ؟ .. فهاهو فلان قد مات و لم نرى لك آثر !!.. و لم نعلم لك مكان .. اتجهت نحوي العيون بالعتاب , و تحركت الأيدي تلوم .. و الألسنة تقول : أين أنت عن واجب الصلاة و العزاء , و أضاف أحدهم مستهزأ تصلي, و تصوم , و لا تعرف حقوق القريب , و واجبات الأسرة و أخذ المجلس يتحدث و يقول , , أنا لا أرد عليه , حتى إذا أفرغوا سهامهم و انتهوا , قلت للمتحدث الأول بصوت يجمعه الجميع : ما رأيك لو صليت صلاة المغرب أربع ركعات .. هل يجوز ذلك ؟ سكت و لم يجب , وهو يحرك حاجبيه , و يهز يده بإستغباء عجيب .. كررت و أعدت السؤال و طلبت الإجابة , بصوت مسموع حتى يسمع المجلس , قال لي بعد تكرار السؤال ثلاث مرات : لا يجوز , قلت له أحسنت هذا أمر الله و رسوله, فنحن نطيع الله في هذا ,و نطيع رسوله صلى الله عليه و سلم , إن الكتاب و السنة يأمرانا أن لا نصلي على من مات و هو لا يصلي , و سماه كافراً , رفعت صوتي – و الحق يعلو و لا يعلى عليه – و أنا أفرغ سهم من كنانتي , هل أسمع كلام الله و رسوله و أطيع أمرهما ؟ أم أسمع كلامك أنت و هراك , استدرت نحو المجلس و أنا أقول : أمرنا أن لا نصلي على من مات و هو تارك للصلاة , و لا نغسله , و لا ندفنه في مقابر المسلمين , و لهذا لم أصلي عليه , سمعا و طاعة لله و رسوله , خيم صمت على المجلس و أغمدت السيوف , فقد ظهر الأمر واضحا جليا , جاء الحق و زهق الباطل , إن الباطل كان زهوقا , يقول الشاب : مرت شهور فإذا كثير من شباب أسرتنا و قد سمع وراء هذا الموقف يعيد حساباته , يراجع أفعاله , يخشى أن يمر عليه يوما لا يجد فيه من يصلي عليه , لقد كان هلاك هذا القريب رحمة لمن بعده , و عبرة لمن خلفه , و لا يزال يتردد في جنبات المسلمين قول الله عز و جل : { و لا تصلي على أحد منهم مات أبدا و لا تقم على قبره } و قول المصطفى صلى الله عليه و سلم: ( العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة من تركها فقد كفر ) فقل لي بالله : كيف حال الشباب اليوم مع صلاتهم ؟! حال عجيبة : قسم لا يصلي و لا يركع لا بليل و لا بنهار , و قسم يقدم و يؤخر و ينام يصلي متى ما شاء و كيف ما شاء , { ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم , يوم يقوم الناس لرب العالمين } أما آن لهولاء أن ينتظموا في صفوف المصلين .. و ينضموا إلى قوافل العائدين ..
خل إدكار الأربع *** و المعهد المرتبعٍ
و الضاعن المودعٍ *** و خل عنه و دعٍ
و أندب زمانا خلفا *** سودت فيه الصحف
و لم تزل معتكفا *** على القبيح الشنعٍ
كم ليلة أودعتها *** مائثما أبدعتها
لشهوة أطعتها *** في مرتعٍ و مضجعِ
و كم خطى حثثتها *** لخزية أحدثتها
و توبة نكثتها *** لملعب و مرتعٍ
و كم تجرأت على *** رب السموات العلى
و لم تراقبه و لا *** صدقته فيما تدعي
و كم غمطت بره *** و كم أمنت مكرهٌ
و كم نبذة أمره *** نبذا الحذاء المرقعٍ
ولم ركضت باللعب *** و فهت عن ذنب الكذب
و لم تراقب ما يجب *** بعهده المتبعٍ
فألبس شعار الندمٍ *** و أسكب شئبيب الدمٍ
قبل زوال القدمٍ *** و قبل سوء المصرعٍ
و أخضع خضوع المعترف *** و لذ ملاذ المقترف
و أعصي هواك و انحرف *** عنه انحراف المقلعٍ
إلى متى تسهو و تني *** و معظم العمر فني
فيما يضر المقتني *** و لست بالمرتدعٍ
قال بعض الحكماء : تعرف توبة الرجل بأربعة أشياء أولها : أن يمنع لسانه من فضول الكلام , من غيبة , و نميمة , و كذب , ثانيها : أن لا يحمل في قلبه حسدا و لا عداوة لأحد من المسلمين , ثالثها : أن يترك أصحاب السوء و لا يصاحب أحد منهم , الرابع : أن يكون مستعدا للموت , نادما على الذنب , مستغفرا لما سبق من ذنوبه, مجتهدا في طاعات ربه ..
يا من يرى مد البعوض جناحها *** في ظلمت الليل البهيم الاليلٍ
و يرى نياط عروقها في نحرها *** و المخ من تلك العروق النحلٍ
أغفر لعبد تاب من زلاته *** ما كان منه في الزمان الأول
الخبر الرابع : طريق المخدرات .
طريق غرق فيه كثير من الشباب إلا من رحم الله , يقول الشاب و هو يروي مأساته : بعد أن أنهيت دراستي الثانوية , عملت موظفا في أحد الشركات التجارية , وقد فصلت من العمل لكثرة تغيبي , و عدم انضباطي , عملت بعدها أعمالا مختلفة من بناء, و تجارة , و غيرها حتى استطعت أن أكون نفسي , و أجمع مبلغا من المال , و في أحد الأيام عرض علي أحد الشباب السفر إلى أحد الدول الآسيوية , و كان يروي لي مغامراته و مشاهدته كان يجاهر بالمعصية و العياذ بالله , يقول الشاب : كان صاحبي يحدثني عن المتع المحرمة و كأنه يغريني بالسفر حتى عزمت عليه و أستحوذني الشيطان , كان صاحبي أول المرحبين و تكفل بشراء تذكرة السفر على أن أتكفل أنا هناك ببقية المصاريف , و سافرنا هناك رأينا جموع من الشباب ليس لهم هم إلا المتعة المحرمة , اليوم الأقصى يشتكي و الشباب يغرق في أوحال المعاصي و المنكرات ,
هاهو الأقصى يلوكُ جراحة *** و المسلمون جموعهم أحادٌ
يا ويلنا ماذا أصاب رجالنا *** أو ما لنا سعد و لا مقدادٌ
يقول الشاب : رأينا هناك جموع من الشباب ليس لهم هم إلا المتعة المحرمة , فتعلمت من الشباب التدخين, و شرب الخمر ، ثم الزنا ، ثم تعاطي المخدرات ، خضنا في كل الوحول القذرة حتى بلغنا الحضيض , ثم عدنا و بعد فترة جمعنا مبلغا أخرا من المال ثم سافرنا إلى بلد أخر أشد فساد و جربنا كل شي ، و في إحدى الليالي رفض أحد الشباب إعطائي حقنة المخدرات المعهودة , و خرجت من الفندق , و قابلت مجموعة من المروجين فدعوني إلى مقرهم فذهبت معهم , و عرضوا علي أنواع كثيرة من المخدرات كنت أجهل بعضها ، و مدى تأثيره على الجسم , و بعد تعاطي المخدرات ، و المسكرات , دعاني أحدهم إلى الغرفة المجاورة لممارسة الزنا ، بعد أن أمرني بدفع الثمن مقدما ، و كنت في سكر شديد لا أدري ما أصنع ، فقبلة العرض و لم أكن أدري أني أمشي برجلي إلى الهاوية ، ثم بعد أيام عدنا من السفر و مارست حياتي الطبيعية ، لكن شبح المخدرات كان يطاردني في كل مكان ، و قد نصحني بعض المخلصين بالتوجه إلى المستشفى لتلقي العلاج ، فوعدتهم بالذهاب و لم أذهب توالت السفرات لممارسة تلك الأعمال المشينة التي أصبحت جزء لا يتجزأ من حياتي البائسة المتدهورة ، حتى نفذت النقود احترفت السرقة من هنا و هناك ، و تعلمت فنون النصب و الاحتيال , حتى أجمع لمتعتي الحرمة , و فأجاة شعرت بوعكة صحية و ذهبت إلى المركز بحثا عن العلاج ، و بعد تحليل عينة من دمي أخبروني أنني حامل لفيروس الإيدز , فضاقت الدنيا في وجهي , ياللا الهول يا للا المصيبة لقد ذهبت تلك الذات و انقضت تلك المسرات ، فلم يبقى إلا الآلام و الحسرات ، وا حسرتاه على أصحاب لم ينفعوه ، وا حسرتاه على أحباب لم ي يشفعوه , يا حسرتاه يوم طال السفر و لم أعد زاد للحفر , و حسرتاه على عمر مضى , و زمان ولى و انقضى و لم أتقي فيه حر لضى , يا حسرتاه إذا كشف الديوان بخطايا اللسان ، و زلات الجنان ، و قبيح العصيان , يا حسرتاه إذا وضع الكتاب , و نشر ما فيه من خطأ و صواب ، و عرض الشباب ، يا حسرتاه على صلاة أضعتها , و زكاة منعتها ، و أيام أفطرتها , يا حسرتاه على أوقات أهدرتها , يا حسرتاه على ذنوب ارتكبتها و فواحش اقترفتها , يا حسرتاه يوم لم يلهج لساني بذكره , و لم تقم جوارحي بشكره ، يا حسرتاه يوم يفوز الصالحون بالدرجات , يا حسرتاه يوم يهوي الظالمون في الدركات , قال سبحانه : { و أنذرهم يوم الحسرة إذا قضي الأمر و هم في غفلة و هو لا يؤمنون أنا نحن نرث الأرض و من عليها و إلينا يرجعون } يقول الشاب : لقد ذهبت تلك الذات و انقضت تلك المسرات ، فلم يبقى إلا الآلام و الحسرات ، لم يبقى إلا الآثام و الأوزار و التبعات ,
تفنى الذاذت ممن ذاق صفوتها *** من الحرام و يبقى الإثم و العار
تبقى عواقب سوء في مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها النار
هذه حكايتي باختصار و كل ما أعرفه أني مصاب بمرض الإيدز ، و أني أنتظر الموت , و على الرغم من أني أسير إلى الموت سير سريعا فقد أفقت من غفوتي و أفقت من غفلتي , و أنصح كل شاب عاقل بالالتزام بتعاليم الدين الحنيف .. تلك التعاليم التي لطالما سمعنها و لم نتبعها .. إنما أتبعنا النفس .. و الهوى .. و الشيطان .. و قد خاب من أتبع نفسه هواها .. و تمنى على الله الأماني .. أقول لإخواني الشباب : أحذروا المخدرات .. و الفواحش و المنكرات .. أنها الهلاك الماحق .. و أخذروا من رفقة السوء فأنهم جنود إبليس اللعين .. يقول : أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .. فلعلكم تقرءون كلمات هذه و أنا تحت التراب , فسألوا الله لي الرحمة .. لعلكم تقرءون كلمات و أنا تحت التراب.. قد فارقت الروح الجسد .. و صعدت الروح إلى باريها .. فاللهم يا من وسعت رحمته كل شي .. أرحم عبدك الضعيف المسكين ..
يا ربي أن عظمت ذنوبي كثرة *** فلقد علمت بأن عفوك أعظمٌ
إن كان لا يرجوك إلا محسنٌ *** فبمن يلوذوا و يستجير المجرمٌ
مالي إليك وسيلة إلا الرجاء *** و جميل عفوكِ ثم أني مسلمٌ
لو رأيت التائب لرأيت جفنا مقروحا .. تراه في الأسحار على باب الاعتذار مطروحا .. سمع قول الإله يوحي فيما يوحي توبوا إلى الله توبة نصوحا .. التائب مطعمة يسير .. و حزنه كثير .. و مزعجة مثير .. و كأنه أسير قد رمي مجروحا .. و لسان حاله يردد .. توبوا إلى الله توبة نصوحا .. التائب أنحل بدنه الصيام .. و أتعب قدمه القيام .. و حلف بالعزم على هجر المنام .. فبذل بدنا و روحا .. و هو يردد توبوا إلى الله توبة نصوحا .. التائب الذل قد علاه و قد وهاه .. يذم نفسه على وهواه .. و بهذا صار ممدوحا يردد و يعيد .. توبوا إلى الله توبة نصوحا .. التائب يبكي جنايات الشباب .. التي بها قد أسود الكتاب .. فإن من يأتي إلى الباب يجد الباب مفتوحا .. يردد و يقول قول الله توبوا إلى الله توبة نصوحا .. اللهم أنا نسألك التوبة و دوامها .. و نعوذ بكِ من المعصية و أسبابها..
الورقة الخامسة : هدايتي على يديك ..
يقول الشاب : لم أكن قد بلغت الثلاثين .. حين أنجبت زوجتي أو أبنائها .. ما زلت أذكر تلك الليلة .. كنت سهران مع الشلة .. في إحدى الشاليهات .. كانت سهرة حمراء بمعنى الكلمة كما يقولون .. أذكر ليلتها أني أضحكتهم كثيرا .. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد .. بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أضحك منه .. لم يسلم أحد مني حتى شلتي .. صار بعض أصحابي يتجنبني كي يسلم من لساني و تعليقاتي اللاذعة.. تلك الليلة سخرت من رجل أعمى .. رأيته يتسول في السوق .. و الادهى أني وضعت رجلي أمامه ليتعثر .. تعثر و انطلقت ضحكتي التي دوت في السوق .. عدت إلى بيتي متأخر لاجد زوجتي في انتظاري كانت في حالة يرثى لها .. أين كنت يا راشد .. قلت في المريخ ساخرا .. عند أصحابي طبعا كانت في حالة يرثى لها قالت و العبرة تخنقها : قالت : راشد أنا تعبه جدا الظاهر إن ولادتي صار وشيك سقطت دمعة أحسست أني أهملت زوحتي كان المفروض أن أهتم بها و أقلل من سهراتي و خاصة أنها في شهرها التاسع .. قاست زوجتي الآلام يوم و ليلة في المستشفى حتى رأى طفلي النور .. و لم أكن في المستشفى ساعتها تركت رقم هاتف المنزل و خرجت اتصلوا بي حتى تعلموني الخبر ففعلوا اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم حينما وصلت للمستشفى طلب مني أن أراجع الطبيبة أي طبيبة المهم الان أن أرى أبني سالم لابد من مراجعة الطبيبة قالوا لي أجابتني موظفة الاستقبال بحزم صدمت حين عرفت أن أبني به تشوه شديد في عينيه و معاق في بصره تذكرت المتسول قلت سبحان الله كما تدين تدان لم تحزن زوجتي كانت مؤمنة بقضاء الله راضية طالما نصحتني طالما طلبت مني أن أكف عن تقليد الآخرين كلا هي لا تسميه تقليدا بل غيبة و معها كل الحق لم أكن أهتم بسالم كثيرا اعتبرته غير موجود في المنزل حين يشتد بكاه أهرب إلى الصالة لانام فيها كانت زوجتي تهتم به كثيرا و تحبه لحظة لا تظنوا أني أكرهه .. لكني لم أستطع أن أحبه .. أقامت زوجتي احتفال حين خطأ خطواته الأولى .. و حين أكمل الثانية اكتشفنا أنه أعرج .. كلما أزدت ابتعاد عنه زادت زوجتي حبا و تعلقا بسالم حتى بعد أن أنجبت عمر و خالد و مرت السنوات و كنت لاهيا غافل غرتني الدنيا و ما فيها كنت كاللعبة في يد رفقة السوء مع أني كنت أظن أني من يلعب عليهم لم تيأس زوجتي من إصلاحي كانت دائم تدعو لي بالهداية لم تغضب من تصرفاتي الطائشة أو إهمالي لسالم و اهتمامي بباقي أخوته كبر سالم و لم أمانع حين طلبت زوجتي بتسجيله في أحد المدارس الخاصة بالمعاقين .. لم أكن أحس بمرور السنوات أيامي سواء ليل و نهار عمل و نوم طعام وسهر حتى ذلك اليوم كان يوم الجمعة استقضت الساعة الحادي عشرة ظهرا ما يزال الوقت مبكرا أقول لكن لا يهم أخذت دش سريعا لبست و تعطرت و هممت بالخروج استوقفني منظره منظر سالم كان يبكي بحرقة أنها المرة الأولى التي أرى فيها سالم يبكي مذ كان طفلا أأخرج أم أرى مما يشكو سالم قلت لا كيف أتركه و هو في هذه الحالة أهو الفضول أم الشفقة لا يهم سألته لماذا تبكي يا سالم حين سمع صوتي توقف بدء يتحسس ما حوله اكتشفت أن أبني يهرب مني الآن أحسست به أين كنت منذ عشر سنوات تبعته كان قد دخل غرفته رفض أن يخبرني في البداية سبب بكاءه و تحت إصراري عرفت السبب تأخر عليه شقيقه عمر الذي أعتاد أن يوصله إلى المسجد اليوم الجمعة خاف سالم أن لا يجد مكان في الصف الأول نادى والدته لكن لا مجيب حياها وضعت يدي على فمه كأني أطلب منه أن يكف عن حديثه و أكملت حينها بكيت يا سالم لا أعلم ما الذي دفعني أتقول له سالم لا تحزن هل تعلم من سيرافقك اليوم إلى المسجد أجاب سالم أكيد عمر ليتني أعلم إلى أين ذهب قلت لا يا سالم أنا من سيرافقك أستغرب سالم لم يصدق ظن أني أسخر منه عاد إلى بكاءه مسحت دموعه بيدي و أمسكت بيده أردت أن أوصله بالسيارة رفض قائلا أبي المسجد قريب أريد أن أخطو إلى المسجد فأني أحتسب كل خطوة أخطوها يقول لا أذكر متى أخر مرة دخلت فيها المسجد و لا أذكر أخر مرة سجدت فيها لله سجدة هي المرة الأولى التي أشعر فيها بالخوف و الندم .. الندم على ما فرطت طوال السنوات الماضية مع أن المسجد كان ملي بالمصلين إلا أني وجدت لسالم مكان في الصف الأول استمعنا إلى خطبة الجمعة معا و صليت بجانبه و بعد انتهاء الصلاة طلب مني سالم مصحف استغربت كيف سيقرأ و هو أعمى هذا ما تردد في نفسي و لم أصرح به خوفا من جرح مشاعره و طلب مني أن أفتح له المصحف على سورة الكهف نفذت ما طلب وضع المصحف أمامه و بدء في قرأه السورة يا الله أنه يحفظ سورة الكهف كاملة عن ظهر غيب خجلة من نفسي أمسكت مصحفا أحسست برعشة في أوصالي و قرأه و قرأه و دعوة الله أن يغفر لي و يهديني هذه المرة أنا الذي بكى بكيت حزنا و ندما على ما فرطت و لم أشعر إلا بيد حنونة تمسح عني دموعي لقد كان سالم يمسح دموعي و يهدى من خاطري عدنا إلى المنزل كانت زوجتي قلقة كثير على سالم لكن قلقها تحول إلى دموع فرح حينا علمت صليت الجمعة مع سالم منذ ذلك اليوم لم تفتني صلاة الجماعة في المسجد هجرت رفقاء السوء و أصبحت إلى رفقة خيرة عرفتها في المسجد ذقت طعم الإيمان عرفت منهم أشياء ألهتني عن الدنيا لم أفوت حلقة ذكر أو قيام ختمت القرآن عدة مرات في شهر و أنا نفس الشخص الذي هجرة لسنوات رطبت لساني بالذكر لعل الله يغفر لي غيبتي و سخريتي من الناس أحسست أني أكثر قربا من أسرتي اختفت نظرات الخوف و الشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي و الابتسامة ما عادت تفارق وجه أبني سالم من يرى سالم يظنه ملك الدنيا و ما فيها حمدت الله كثيرا و صليت له كثيرا على نعمه ذات قررت أنا و أصحابي أن نتجه إلى أحد المناطق البعيدة في برامج دعوية مع موسسة خيرية ترددت في الذهاب استخرت الله و استشرت زوجتي توقعت أن ترفض لكن حدث العكس فرحت كثيرا بل شجعتني حين أخبرت سالم عزمي على الذهاب أحاط جسمي بذراعيه الصغيرين فرحا و والله لو كان طويل القامة مثلي لما توانى عن تقبيل رأسي بعدها توكلت على الله و قدمت طلب تقديم إجازة بدون مرتب و الحمد لله جاءت الموافقة بسرعة أسرع مما تصورت تغيب عن البيت ثلاثة أشهر كنت خلال تلك الفترة أتصل كلما سنحت لي الفرصة بزوجتي أحدث أبنائي لقد اشتقت لهم كثير و لكني اشتقت لسالم أكثر تمنيت سماع صوته هو الوحيد الذي لم يحدثني منذ سافرت أما أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة ما أحدثهم كلما أحدث زوجتي أطلب منها أن تبلغه سلامي تقبله كانت تضحك حينما تسمعني أقول هذا الكلام و آخر مره هاتفتها فيها لم أسمع ضحكتها المتوقعة تغير صوتها و قالت لي إن شاء الله أخيرا عدت إلى المنزل طرقت الباب تمنيت أن يفتح سالم لي الباب لكن فوجئت بأبني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره حملته بين ذراعي و هو يصيح بابا بابا أنقبض صدري حين دخلت البيت استعذت بالله من الشيطان الرجيم سعدت زوجتي بقدومي لكن هناك شي قد تغير تأملتها جيدا أنها نظرات الحزن التي ما كانت تفارقها عادت مرة ثانية إلى عينيها سألتها ما بكِ قالت لا شي هكذا ردت فجأة تذكرة من نسيته للحظات قلت لها أين سالم خفضت رأسها و لم تجب لم أسمع حينها سوى صوت أبني خالد الذي ما يزال يرن في أذني حتى هذه اللحظة قال أبي إن سالم راح عند الله في الجنة لم تتمالك زوجتي الموقف أجهشت بالبكاء و خرجت من الغرفة عرفت بعدها أن سالم أصابته حمى قبل موعد مجي بأسبوعين أخذته زوجتي إلى المستشفى لازمته يومين و بعد ذلك فارقته الحمى حين فارقت روحه الجسد أحسست أن ما حدث أبتلى و اختبار من الله سبحانه و تعالى أجل أنه اختبار و أي اختبار صبرت على مصابي و حمدت الله الذي لا يحمد على مكروه سواه مازلت أحس بيده تمسح دموعي و ذراعه تحيطني كم حزنت على سالم الأعمى الأعرج لم يكن أعمى أنا من كنت أعمى حين انسقت وراء رفقة السوء و لم يكن سالم أعرج لانه استطاع أن يسلكِ طريق الإيمان رغم كل شي لازلت أتذكر كلماته و هو يقول إن الله ذو رحمة واسعة سالم الذي امتنعت يوما عن حبه اكتشفت أني أحبه أكثر من إخوانه بكيت كثيرا و مازلت حزينا كيف لا أحزن و قد كانت هدايتي على يديه اللهم تقبل سالم في رحمتكِ اللهم أنا نسألك الثبات حتى الممات أبشر أيها التائب أبشر أيها العائد أبشر أيها المنظم إلى قوافل العائدين قال سبحانه : { إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين } و قال جلا في علاه فاتحا أبواب الرحمة { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا أنه هو الغفور الرحيم } و قال جلا في علاه { إلا من تاب و أمن و عمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفورا رحيما } و قال أعز من قائل : { إن الحسنات يذهبن السيئات } و قال أرحم الراحمين : { و أني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدى و قال ( يا أبن أدم أنك ما دعوتني و لا رجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك و لا أبالي يا أبن أدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء و استغفرتني غفرت لك على ما كان منك و لا أبالي يا أبن أدم لو آتيتي بقراب الأرض خطايا لا تشرك بي شيئا أتيتك بقرابها مغفرة و لا أبالي ) يا أرحم الراحمين أبشر أيها التائب أبشر أيها العائد أبشر أيها المنظم إلى قوافل العائدين .. قال صلى الله عليه و سلم : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) أبشر أيها التائب فإن الله يفرح بتوبة التائبين أنين الذنبين أحب إليه من سجع المسبحين .. يروى أن رجالا سأل أبن مسعود عن ذنب ألم به هل من توبة فأعرض عنه أبن مسعود ثم التفت إليه فرى عينيه تذرفان فقال له : إن للجنة ثمانية أبواب كلها تفتح و تغلق إلا باب التوبة فإن عليه ملك موكل به لا يغلق فأعمل و لا تيأس و لا تقنط من رحمة الله قال عبد الحمن بن أبي القاسم تذاكرنا مع عبد الرحمن توبة الكافر و قول الله تعالى : { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } فقال إني لارجوا أن يكون المسلم عند الله أحسن حالا و قد بلغني أن توبة المسلم كإسلام بعد إسلام يروى أنه كان في بني إسرائيل شاب عبد الله تعالى عشرين سنة ثم عصى الله عشرين سنة ثم نظر في المرأة فرأى الشيب في لحيته فسأة ذلك فقال اللهم أطعتك عشرين سنة ثم عصيتك عشرين سنة فإن رجعت إليك أتقبلني فناداه منادي أرحم الراحمين أحببتنا فأحببناك تركتنا فتركناك عصيتنا فأمهلناك و إن رجعت إلينا قبلناك و هو الذي يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات أعلم أن مما يعيناك على تعجيل التوبة و الإسراع في التوبة فالذي حال بين الناس و التوبة و الصدق في التوبة هو طول الأمل و من أطال الأمل أساء العمل قال الله : { ذرهم يأكلوا و يتمتعوا و يلههم الأمل فسوف يعلمون } قال سبحانه : { أفرايت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون } و قال سبحانه : { أيحسبون إن ما نمدهم به من مال و بنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون } أعلم أن مما يعيناك على تعجيل التوبة و الإسراع فيها و المبادرة إليها هو ذكر الموت و ساعاته نعم إن الموت قريب أن العمر مهما طال فهو قصير و الدنيا مهما عظمت فهي حقيرة فأختر لنفسك النهاية التي تتمناها فلا إله إلا الله كيف سيكون حالي و حالك عندما يقال فلان أبن فلان لقد دنا الآجل و حانت ساعة الرحيل فصاح بأعلى الصوت رباه أرجعون .. رباه أرجعون .. رباه أرجعون .. و صاح بأعلى الصوت و طرباه .. و طرباه .. غدا نلقاء الأحبة .. غدا نلقاء الأحبة محمد و صحبه .. فأختر الحال التي تريدها يا رعاك الله .. لما حضرت حسان أبن سنان الوفاة قيل له كيف تجدك قال بخير إن نجوت من النار قيل له فما تشتهي قال : ليلة طويلة أصليها كلها و دخل المزني على الشافعي رحمة الله في مرضه الذي مات فيه فقال كيف أصبحت يا أبا عبد الله قال : أصبحت عن الدنيا راحلا و للإخوان مفارقا و لسوء عملي ملاقيا و لكأس المنية شاربا و على ربي سبحانه و تعالى واردا و لا أدري روحي صارة إلى الحنة فأهنيها أو إلى النار فأعزيها..
ثم أنشد ..
و لما قسى قلبي و ضاقت مذاهبي *** جعلت الرجاء مني لعفوك سالما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كان عفوك أعظما
مازلت ذو عفوا عن الذنب لم تزل *** تجود و تعفو منة و تكرما
فأعلم يا رعاك الله .. أن الآمال تطوى .. و الأموال تفنى .. و الأبدان تحت التراب تبلى .. أعلم يا رعاك الله إن الأيام و الليالي تبليان كل جديد .. تقربان كل بعيد .. تأتيان بكل موعود و وعيد .. فأنتبه يا رعاك الله .. أنتبه من رقفة الهجوع .. و أفزع إلى الله بالتضرع و الخشوع .. و قل آن الأوان للانضمام في قوافل العائدين .. قالوا من رزق أربع لم يحرم أربع من رزق الدعاء لم يحرم الإجابة .. و ربكم يقول : { أدعوني أستجب لكم } و من رزق الاستغفار لم يحرم المغفرة .. و ربكم يقول : { إنه كان غفارا } .. و من رزق الشكر لم يحرم المزيد و ربكم يقول : { و لئن شكرتم لأيدنكم } .. و من رزق التوبة لم يحرم القبول .. و ربكم يقول : { و هو الذي يقبل التوبة عن عباده } ..
و ختاما ..
أعلم أن الحياة بدون الله سراب .. و أن القلب لا يصلح إلا بالله جلا و علا .. فإذا أقبل على الله تعالى – يعني القلب- أجتمع و أنظم بعضه إلى بعض .. و وجد نفسه و سلمت فطرته .. { يأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم }
إلى كم تعصي و تتمرد .. و أقبح من قبيح كأنكِ تتعبد .. يا ناصع الثوب و القلب أسود .. ما هذا الأمل و لست بمخلد .. أما تخاف من أوعد و تهدد .. يا من شاب و ما تاب أين البكاء ؟ أين الحذر من أليم العقاب .. قل ما أحلم الله ..
ما أحلم الله علي حيث أمهلني *** و قد تماديت في ذنبي و يسترني
تمر ساعات أيامي بلا ندمي *** و لا بكاء و لا خوف و لا حزن
أنا الذي أغلق الأبواب مجتهد *** على المعاصي و عين الله تنظرني
يا زلة كتبت في غفلة ذهبت *** يا حسرة بقيت في القلب تحرقني
دعني أوح على نفسي و أندبها *** و أقطع الدهر بالتذكير و الحزن
دع عنك عذلي يا من كنت تعذلني *** لو كنت تدري ما بي كنت تعذرني
دعني أسح دموع لا انقطاع لها *** فهلا لا عسى عبرة منها تخلصني
أكتب قصة الرجوع بقلم الندم و الدموع .. و أسعى بها على قدم الخضوع إلى باب الخشوع ..و أتبعها بالعطش و الجوع .. و سئل الرحمة .. فربا سؤال مسموع .. قل و نادي في الأسحار ..و الناس نيام يا أكرم من أمله المؤملون ..يا رجاء الخائفين .. يا أمل المذنبين إن طردتني إلى من أذهب .. يا رحيم بمن عصاه .. يا حليم على من تناساه .. يا من شيمته الصفح ..
عصيتك جاهلا يا ذا المالي *** ففرج ما ترى من سوء حالي
إلى من يهرب المخلوق إلا *** إلى مولاه يا مول الموالي
فالله در أقوام تركوا فأصابوا .. و سمعوا منادي الله يدعوا فأجابوا .. و حضروا مشاهد التقى فما غابوا .. و اعتذروا مع التحقيق ثم تابوا .. ثم قصدوا باب مولاهم فما ردوا و لا خابوا .. اللهم سر بنا في سرب النجاة .. و وفقنا إلى التوبة و الإنابة .. و أفتح لأدعيتنا الإجابة .. يا من إذا سأله المضطر أجاب .. اللهم تب علينا توبة نصوحة .. لا ننقض عهدها أبدا .. و احفظنا بذلك لنكون بها من جملة السعداء .. اللهم أقبل توبة التائبين .. و أغفر ذنب المذنبين .. و أقبل الشباب و الشيب في قوافل العائدين .. اللهم ألهمنا القيام بحقك .. و بارك لنا في الحلال من رزقكِ .. و لا تفضحنا بين خلقك .. يا خير من دعاه داع .. و أفضل من رجاه راج .. يا قاضي الحاجات .. يا رفيع الدرجات .. يا مجيب الدعوات .. يا رب الأرض و العرش و السماوات .. هب لنا ما سألنك و حقق رجانا في ما تمنيناه .. يا من يملك حوائج السائلين .. و يعلم ضمائر الصامتين .. أذقنا برد عفوك .. و حلاوة مغفرتك .. يا أرحم الراحمين .. اللهم صلي على محمد و على آله و صحبه الأخيار .. عدد ما طار طير و طار .. و عدد ما أستغفر المستغفرون في الأسحار .. و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .. سبحان ربك رب العزة عما يصفون .. و سلام على المرسلين و ا لحمد لله رب العالمين ..
المصدر - قافلة الداعيات
|