الموضوع: حليمه والغنم
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-11-2008, 08:11 PM   #1

مغرور بس معذور
*غروري سر تألقي*
 
الصورة الرمزية مغرور بس معذور

رقَمْ آلع’َـضويـہ: 3073
التسِجيلٌ : Apr 2008
مشَارَڪاتْي : 3,778
 نُقآطِيْ » مغرور بس معذور is on a distinguished road
افتراضي حليمه والغنم

يا حضي المعثور في درب الأيام ..من قلبي المجروح باون ونات


صوت حانِِِ كلحن الربابة يتسرب من بين أشجار العتم يتردد صداه في جنبات الجبال المجدولة كعروق شجرة طلح هرمة .. أقدام نحيله تكد الأحجار المدببة والنتوءات البارزة صعودا إلى القمة أو هبوطا إلى قاع سحيق .. حليمة شدو حزين .. الأقدار المتمردة لاكتها لان تنفرد بين هذه الشعاب المشمخرة ، الفت تلك الجبال الشدو الحزين .. فيما راحت حليمة تعد على أصابع قدميها ورجليها إعداد قطيع الأغنام خشية الصفعة القاسية على خدها .. مشني والدها جلدته حياة الشقاء فأفرزت هذا القلب المعجون من صخور جبل لقمان الصادة .. شقيقها انطفأ من رحم الحياة في بواكير حياته، والدتها أنهكها المرض وقضم عظامها أطبقت جفنيها في وداع أخير .. أما حليمة فهي رفيقة الصمت المطبق في حشاشة الجبال الزرقاء تمضغ الحزن المكدود بالتعب صباح مساء .. ما أن تجر الشمس ذبالتها البرتقالية حتى تعود حليمة بعصاتها وأحزانها وأغنامها إلى المانة .. العام الماضي ضاعت الشاه السوداء بين الحراش وانشب الذئب مخالبه الحادة بين أضلاعها .. والدها تركها تبيت في العراء يجلدها الهواء القارس .. لولا تدخل جارتهم العجوز ذات القلب الرحيم لأنشب والدها أظافره القاسية بين أضلاعها .

ما إن هجعت الأغنام حتى راحت تعدها واحدة واحدة رغم الروائح المنبعثة من بين مخلفاتها ومن الصوف المبلول بماء مطر الظهيرة.


كسرة صغير من الخبز الجاف مع قليل من السمن تسد به حليمة فراغ جوعها بعدها تضع رأسها على الوسادة المحشوة (بالرين) ... وقبلها أضمرت في خاطرها أمرا هاما فلن تبح به لأبيها .. الشمس فتحت عينيها البيضاء الواسعة لتنثر جدائلها على قمم الجبال.. لبست ثوبا ازرق مرتقا أهدته لها بنت الجيران أودعت حقيبتها المهترئة قلما مكسورا ودفاتر ممزقة ونظرت إلى قطيع الغنم بشي من الجفاء –غير المعتاد وتمتمت في داخلها القطيعة بيني وبينكم واندست في حافلة صفراء طويلة بشي من الفرح والزهور .. وكانت الأصوات تثير شيئا من النشوة والسرور في أعماقها .. ما أن حطت السيارة حتى قفزت حليمة كماعز جبلي نحيل نحو بوابة سوداء واسعة اعتلتها لوحة خضراء جميلة بها كتابات بيضاء لا تعرف تقرؤها ,الطالبات مسكونا ت بالفرح حيث يتجولون في ردهات المدرسة زرافات ووحدانا .. وهي تحمل حزنا ثقيلا ينوء به صدرها المجروح والدها ارتحل إلى قرية في الشمال .. والأغنام ستظل في الحظيرة وهي أصبحت طالبة مدرسة تركب الأتوبيس الأصفر وترتدي الثوب الأزرق وتلتحف العباءة السوداء وتشاهد السبورة .. وتسمع المعلمة ذات اللكنة الغريبة بل أهم من ذلك تشاهد صديقاتها اللاتي يعز عليها فراقهن منذ افتتاح المدرسة قبل سنوات لم تتح لها فرصة الدراسة وفي خضم هذا الحلم انبعث صوت قوي من أقصى فناء المدرسة .

حليمة أين أوراقك الرسمية ؟ أين صورة حفيظة والدك ؟ ترك هذا الطلب شوكة حادة نشب في حلقها .

ما أن انتهت ثالث حصة حتى تقافزت الطالبات كغزالات برية في فناء المدرسة وهي كذلك خرجت والفرحة تسري في أوصال جسدها الممزوج بحزن دفين ..أصبحت طالبة مدرسة ..لحظات فإذا الطالبات يتحلقــن حولها .. أبوك يا حليمة جاء يفصلك من المدرسة .. صرخت لن أذهب .. تسمع صوتاً أجش في الخارج .. أخرجوا ابنتي حليمة أخرجوها وإلا سأحطم الباب .. المعلمة مسكت بيدها بعد أن قبلتها في جبينها وقالت هيا..يا حليمة والدك في الخارج..زفرة حري اقتلعتها من صدرها وقالت بصوت مكلوم : جئت إليك يا أبي جئت إلى غنمك .. وأثناء خروجها نظرت إلى الطالبات بعينين محتقنتين .

ونظرت أيضاً إلى اللوحة الخضراء البهية وما أن تعانقت ذرفتا باب المدرسة حتى تفجرت عيناها بالدموع وراحت إلى حزنها الأبدي .. بين الشعاب تنشد بنشيد يجترح القلوب وتقول :

يا حظي المعثور في درب الأيام .. من قلبي المجروح باون ونات .
لم يرأف الشدو الحزين سوى تجويفات الشعاب التي راحت تردد صدى صوتها كنوع من الائتلاف اليومي .
مغرور بس معذور غير متصل   رد مع اقتباس