12-14-2007, 10:18 PM
|
#3
|
|
لنلتمس جميعا قبسا من نور لنسمو بأنفسنا في ملكوت الحي القيوم، فنرتقي بها عاليا في
حضرة النور الشافي لعذبات الروح و ظلماتها. و حتى لا أطيل عليكم أكثر أبدأ و أنتم معي
على بركة الله الهمسة الثانية من سلسلة همسات نورانية.

( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا
حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى
وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
سورة الأحقاف الآية 15
وصية ربانية نورانية لكافة جنس البشر، جوهرها شرط إنسانيته، بدون زيادة أية صفة أخرى على
كونه إنسانا، هي وصية بالإحسان المطلق التام دون قيد أو شرط، وهي وصية حكيمة منبعها خالق
الإنسان، و هي متكررة في القرآن الكريم وفي أحاديث رسول الله، و لبها الأساس الإحسان إلى
الوالدين، أما وصية الوالدين بالأولاد فهي لا ترد إلا نادرا، ذلك أن الفطرة توجه الوالدين إلى العناية
بالأولاد عناية تلقائية هي غاية الآباء لذاتها، فلا تحتاج إلى محفز خارجي يحثها على البدل و العطاء.
أما الأولاد فقلما يلتفتون إلى أبائهم رمز التضحية و الإيثار المجاني غير المشروط، لأنهم مندفعون
بكل جموح إلى الأمام و في سرعة متلاحقة نحو التقدم بغض النظر عمن يحيطون بهم من ذوي الفضل.
يقدم القرآن الكريم القرآن صورة شفافة للتضحية النبيلة الكريمة الواهبة التي تجود بها الأم في سخاء
منقطع النظير، والتي لا يكافئها أبدا إحسان من الأولاد مهما التزموا بوصية الله في الوالدين، و حرصوا
جاهدين على تمثلها في صفاتهم و تعاملاتهم مع الأم، فكيف تكون مكافأتها و هي رمز البدل و العطاء.
( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ) إنها لوحة معبرة ترسم صورة الحمل
وخاصة في أواخر أيامه، و صورة المخاض وطلقه و شدة ألمه، فيأتي علم الأجنة فإذا به يرفع النقاب
عن خفايا عملية الحمل، و ما تجسده من عظم التضحية ونبلها في صورة إنسانية مؤثرة، لتنتهي الآية
الكريمة من هذه الوقفة العظيمة أمام تضحية الوالدين، و شحذ الضمائر للتفاعل بشكل واع و إيجابي
مع التضحية النبيلة ممثلة في الأم، إلى مرحلة النضج، مع سلامة الفطرة، و توازن القلب، وهي مرحلة
بلوغ الرشد، و التي تكون عادة بين الثلاثين والأربعين سنة. والأربعون هي منتهى النضج و غايته،
ففي هذه السن تستكين الفطرة المستقيمة السليمة، و تهتدي إلى التأمل في ما بعد الحياة، وتتدبر في
المصير والمآل ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ ) دعوة قلبية خالصة
المشاعر تسمو بذكر نعمة الله، هي دعوة القلب المستعظم المستكثر لهذه النعم التي تغمره وتغمر والديه
قبله فهي قديمة العهد به، فيدعو ربه أن يعينه و يهديه ليقوم بواجب الشكر و الثناء غير المنقطع الصلة
لكافة النعم الربانية التي ينعم بها و والداه. ثم دعوة أخرى يطلب من خلالها عون الله للتوفيق إلى العمل
الصالح الخير، الذي يبلغه كمال الإحسان و تمامه، الذي يرتضيه ربه في الدنيا و الآخرة، فرضا الله هو
الغاية، و المقصد الذي تتطلع إليه النفوس المؤمنة التي لا ترى في غيره بديلا.
( وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَتِي ) دعوة ثالثة،
وهي غاية القلب المؤمن في أن يمتد عمله الصالح في ذريته، والذرية الصالحة مطمح العبد
الصالح، والدعاء ينتقل ببركة الوالدين إلى الذرية ليجمع الأجيال المتعاقبة على طاعة الله، و شفاعته
المنتظرة و هي نعمة التوبة والإسلام

عن عبد الله بنِ عمرو قال: ( لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الرّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ ) رواه أبو داود.
تقديم الرشوة للقاضي أو الحاكم بين الناس، لإفساد حق أو الانتصار لباطل جريمة أخلاقية، لأنها تكون
سببا في تدمير أخلاق المجتمع وفقدان الثقة بين أبنائه، وانتشار الأخلاقيات السيئة كالتسيب والظلم،
وفقدان الشعور بالولاء والانتماء، و التطاول على الحقوق بغير وجه حق، فقد قال الله تعالى في سورة
البقرة 188: ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم
وأنتم تعلمون)، لقد اقتحمت الرشوة الكثير من الجوانب في المجتمعات المختلفة حتى لم يكد يسلم منها مجال
من المجالات، خاصة فيما يعرف بدول العالم الثالث، فهناك الرشوة في مجال القضاء، فيقضي الحاكم لمن لا
يستحق أو يمنع من يستحق أو يقدم من ليس من حقه أن يتقدم ويؤخر الجدير بالتقدير والتقديم، أو ينتصر في
حكمه لقرابة أو جاه أو رشوة، كما تكون الرشوة مصدرا سهلا للغني اليسير حيث أصبحت موردا مهما يفوق
عائدات المرتبات عند بعض الموظفين ، بل صارت بندا أساسيا في تعاملات كثير من الشركات و المؤسسات
الاقتصادية، وصارت كثير من المعاملات لا تبدأ ولا تنجز إلا بها، مما أضر بالفقراء تضررا عظيما من عواقبها
الوخيمة، ففسدت الكثير من الذمم بسببها، و سال لعاب الكثير من ضعاف النفوس لسلطانها، فلا تقدم الخدمة
الجيدة إلا لمن يدفع أكثر، ومن تمنعه أخلاقه و نزاهته و أحيانا فقره، فله الخدمة الرديئة و التأخير و الإهمال
في الإنجاز، لهذه الآثار السلبية وغيرها فلا غرابة أن ينتفض النبي صلى الله عليه وسلم لمناهضة الرشوة
والمشاركين فيها ممن سولت لهم أنفسهم المشاركة في هذه الجريمة، فيلعنهم الرسول صلى الله عليه و سلم
ويطردهم الله من رحمته.

أسماء بنت يزيد (خطيبة النساء)
هي أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرؤ القيس بن عبد الأشهل بن الحارث، الأنصارية، الأوسية،
الأشهلية، وقد اختلف بعض المؤرخين والرواة حول اسمها فبعضهم قال: (أسماء بنت عبيد الأنصاري)،
وكانت كنيتها أم سلمة و (أم عامر الأوسية). وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى
للهجرة فبايعته وسمعت حديثه، تعد من المحدثات الفاضلات وهي مجاهدة جليلة كانت من ذوات العقل والدين
والخطابة حتى لقبوها خطيبة النساء. كانت رضي الله عنها تتقدم النساء وتتزعمهن فيذهبن إلى الرسول
صلى الله عليه وسلم وتقول له: (أنا وافدة النساء إليك إن الله عز وجل بعثك إلى الرجل والنساء كافة فآمنا
بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم و مقضى شهواتكم و حاملات أولادكم،
وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجُمع والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج،
وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجا أو مجاهدا حفظنا لكم أموالكم
وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم أفلا نشارككم في هذا الأجر؟ فما انتهت أسماء من حديثها إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، حتى التفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه ثم قال: (هل سمعتم بمقالة
امرأة أحسن من سائلة في أمر دينها من هذه؟). فقالوا: بلى يا رسول الله، فقال رسول الله عليه الصلاة
والسلام: (انصرفي يا أسماء، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعّل إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاته،
وإتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال). فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشارا بما قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، ولما أسلم ابن عمها معاذ بن جبل- رضي الله عنه سألته عن الإسلام وما يدعو إليه
فتلا عليها آيات من الذكر الحكيم و أخبرها أنه عليه الصلاة والسلام يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له،
و نبذ عبادة الأصنام ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فأتت أم عامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت
وبايعت وكانت أول من بايع من النساء. وكان عليها سواران من ذهب فبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بصيصهما فقال عليه الصلاة والسلام: (ألقي السوارين يا أسماء أما تخافين أن يسورك الله بأساور من نار؟)،
فما كان منها إلا أن سارعت فنزعتهما وألقتهما أمامه، وشهدت أسماء بنت يزيد مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعض المشاهد وكانت تخدم رسول الله تقول: (إني لآخذة بزمام العضباء ناقة رسول الله إذ نزلت سورة
المائدة كلها فكادت تدق عنق الناقة ). وقد امتد العمر بأسماء- رضي الله عنها- فقد شهدت (موقعة اليرموك
سنة 15هـ) وشاركت فيها فكانت مجاهدة جليلة وتذكر الروايات أنها قتلت تسعة من جنود الروم بعمود خيمتها
وعاشت بعد ذلك دهراً رضي الله عنها.

قال بعض الملوك لحكيم من حكمائه: عِظْني بعِظَة، تنفي عني الْخُيَلاء، وتزهّدني في الدنيا. قال :
فكَر في خَلْقك، واذْكُر مبدأك ومصيرك، فإذا فعلت ذلك صَغُرَتْ عندك نفسُك، وعَظُم بصغرها عندك عَقْلُك،
فإن العقلَ أنفعهُما لك عِظَماً، والنفس أَزْينهُما لك صِغَراً، قال الملك: فإن كان شيء يُعِينُ على الأخلاق
المحمودة فصفتك هذه، قال: صفتي دليل، وفَهْمُك محجَّة، والعلم عليّة، والعمل مَطيّة، والإخلاص زمامها،
فخُذْ لعقلك بما يزيّنه من العلم، وللعلم بما يَصُونُه من العمل، وللعمل بما يحقّقه من الإخلاص، وأنت أنت!
قال: صدقت.

هو دعاء مبارك قال عنه أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يعلمنا دعاء الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن )
وهو أن يصلي المسلم صلاة الاستخارة وهي ركعتان في غير المكتوبة وأفضل أوقاتها قبل الفجر ثم
يدعو بالدعاء الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه للصحابة رضوان الله عليهم ، ومعلوم أنه
دعاء خاص ومعين على اختيار أمر من أمور يحار المسلم في اختيار الصالح منها وخاصة في الاختيارات
الهامة في حياته ؛ يدعو به متيقنا على الاستجابة.
اللهم إني أستخيرك بعلمك ، و أستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فانك تقدر ولا اقدر ،
وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب . اللهم إن كان في هذا الأمر - وتسميه - خير لي في ديني ودنياي
وفي عاجل أمري و آجله فاكتبه لي ويسره لي، وإن كان فيه شر لي في ديني ودنياي وفي عاجل
أمري و آجله فاصرفه عني واصرفني عنه واكتب لي الخير حيث كان ثم رضني به.

|
|
|