ملتقى مدينة العيون

ملتقى مدينة العيون (http://www.aloyun.com/vb/index.php)
-   الـمــلـــتـــقــى الـــعـــام (http://www.aloyun.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   الشريط الإسلامي ما له و ما عليه - للشيخ / سلمان العودة ( محاضرة مفرغة ) (http://www.aloyun.com/vb/showthread.php?t=5840)

أبو محمد 05-13-2006 11:52 PM

الشريط الإسلامي ما له و ما عليه - للشيخ / سلمان العودة ( محاضرة مفرغة )
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الشريط الإسلامي ما له و ما عليه .
1 / 6 / 1411 هـ .

الدرس 34

إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ، و نتوب إليه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، الذي دعا إلى خير منهج وأقوم سبيل وجاهد في الله تعالى حتى جاءه اليقين من ربه، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته .. أما بعد ،
فيا أيها الأحبة ، عنوان هذا الدرس الشريط الإسلامي ما له و ما عليه ، و سأتحدث عن هذا الموضوع الكبير المهم في عدة نقاط ، أبدأها بالكلام عن أسباب طرح هذا الموضوع ، ثم أذكر ميزات الشريط الإسلامي و أسباب انتشاره ، ثم المعوقات ، و أنتقل بعد ذلك إلى السلبيات و المآخذ ، و أنتهي إلى المقترحات و أخيرا وقفة مع يوميات .

**************************************
أولاً / أسباب الحديث عن هذا الموضوع :
لعل الأسباب ظاهرة في ذهن كل امرئ منكم فإن ثمة أسباب كثيرة تدعو إلى طرح هذا الموضوع ، منها :

1) الهجوم على الشريط الإسلامي ، فإننا منذ زمن ليس بالبعيد بدأنا نسمع هجوماً ضارياً على الأشرطة الإسلامية ، و على ما يسمى بالكاسيت و تجارة الكاسيت عبر أجهزة كثيرة ، منها الصحافة التي سخرت أقلام عدد من كتابها لطرق مثل هذه المعلومات و الحديث عنها بطريقة أو بأخرى .

2) انتشار الشريط والحاجة إلى ترشيده فإن الأشرطة اليوم أصبحت هي أوسع وسائل الدعوة انتشاراً ، ولا يكاد يوجد إنسان إلا ويكون لديه مجموعة من الأشرطة ، قلت أو كثرت، ولا بد أن يكون استمع إلى شريط ما مهما كان مستواه من حيث السن أو العلم أو العمل أو الوظيفة، أو نوعية الثقافة أو ما أشبه ذلك .

3) أهمية التعاون بين العلماء و الدعاة و بين القائمين على محلات التسجيلات و كذلك بين الرواد الذين يقتنون هذه الأشرطة و يسمعونها ، في اختيار الموضوعات المهمة مثلا ، و التعاون في توفير المادة التي يحتاج إلى طرقها ، و تصحيح ما قد يحدث من أخطاء أو ملاحظات مما لا بد للبشر أن يقع فيه .

**************************************

ثانياً / ميزات الشريط الإسلامي :
لا شك أن للشريط الإسلامي ميزات كبيرة ، منها :
1) سهولة الاستفادة منه ، فإن الإنسان يستطيع أن يستمع إلى الشريط و هو قائم أو قاعد أو نائم أو ماشي في سيارته و بكل وضع و بكل حال ، و لذلك فإن الاستفادة من الشريط أصبحت كبيرة .

2) سرعة الانتشار، يكفي مثلا أن تعلم أنه في محلات التسجيل الإسلامية يوجد عندهم من الأشرطة المتداولة أكثر من 9500 شريط ، يباع من هذه الأشرطة شهرياً ، ما يزيد على 60 ألف شريط ، ويكفي أن تعلم أن هناك شريطاً واحداً - و هو شريط هادم اللذات - بيع منه في محل واحد أيضا أكثر من 30 ألف نسخة ، و في المملكة كلها ربما بيع منه ما يربو على 200 ألف نسخة ، و هذا رقم قياسي في سرعة الانتشار و كثرته .

و أيضا محلات التسجيل الإسلامية أصبحت هي الأخرى و لله الحمد في ازدياد ، ففي الرياض مثلاً يوجد ما بين 60 - 70 محلا للتسجيل ، بل ربما تزيد على ذلك ، و في القصيم يبلغ عدد محلات التسجيلات ما يقارب 30 ، و لا تستغرب هذا الرقم أو تعتبر أن كبير ، لا ، هو رقم متواضع ، لكنه بالقياس إلى الواقع يعتبر رقماً جيداً ، و إلا فلو قارنته مثلا بمحلات التسجيل الأخرى ، تسجيلات الغناء ، لوجدت أن عدد محلات الغناء حسب بعض المصادر يزيد على 350 محلاً . و هذا بلا شك رقم كبير و لكنها و لله الحمد آخذة في التناقص و الانتهاء ، فقد أغلق كثير منها لأسباب مختلفة ، و بيع كثير منها و حول عدد منها أيضاً إلى محلات تسجيلات للمواد و الأشرطة الإسلامية ، و هذه نعمة عظيمة من نعم الله عز و جل .

3) أن الشريط الإسلامي يغطي كافة الطبقات من المجتمع ، فالرجل الكبير في السن يجد ما يناسبه ، و المرأة كذلك ، بل الأمي الذي لا يقرأ و لا يكتب يستطيع أن يستمع إلى الشريط و ينتفع به ، و أذكر أنني أدخل أحياناً على نساء مسنات أميات ، فأجد أن لدى الواحدة منهن أشرطة لبعض العلماء و المشايخ ، و أشرطة قرآن وحديث و وعظ و غير ذلك ، كما أن الأطفال أيضا يجدون أشرطة تخاطبهم و تربيهم على مواد مفيدة و نافعة .

4) قوة التأثير ، سواء بالصوت و العبارة و الأسلوب و غيره ، فإن الذي يستمع إلى شريط كأنه يستمع إلى شخص يتحدث ، فيستمع إلى العبارات و مخارج الحروف ، بل حتى يستمع إلى العاطفة و كأنه يستمع إلى خفقات قلب المتحدث ، فينفعل و يتأثر معه و يحزن لحزنه و قد يبكي ، لكن الذي يقرأ كتاباً ، هو يقرأ كتاباً أصماً ربما لا يشعر بمدى تأثر المؤلف بما يقول و يكتب ، فهذه ميزة خاصة للشريط ، و لهذا يقول بعضهم : لو فرغت الشريط لتحول إلى مادة أخرى غير مؤثرة ، لكن إذا استمعت إليه كما هو بإلقاء محدثه كان له من الوقع و التأثير الشيء الكبير .

5) التنوع ، فنجد أن في محلات التسجيلات دروس كثيرة ، في العقيدة مثلاً ، سواء في كتب معينة كالعقيدة الواسطية أو الطحاوية أو التدمرية أو غيرها ، و دروس في الفقه و الحديث و التفسير و اللغة و النحو و الأصول ، إلى غير ذلك ، و في فهارس التسجيلات التي صدرت ما يعطي قائمة ببعض ذلك ، فضلاً عن المحاضرات و الندوات و الأمسيات الشعرية و القصائد و الكتب و الإصدارات و المناقشات ، و قبل ذلك أشرطة القرآن الكريم ، سواء لقراء معروفين أم تسجيل من صلاة التراويح و القيام في شهر رمضان لأئمة الحرم ، و أئمة مشهورين من هذه البلاد و من غيرها ، فهي تتميز بالتنوع و تغطية موضوعات شتى و مجالات مختلفة .

**************************************

ثالثاً / أسباب انتشار الشريط :
لانتشار الشريط أو عدم انتشاره أسباب ، منها :

1) سمعة المتحدث ، فإن كثيرا من الناس يقتنون الشريط بالنظر إلى المتحدث أو الملقي ، خاصة إذا كان من العلماء المشهورين من أمثال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز مثلا ، أو فضيلة الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني ، أو فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، أو أمثالهم من كبار العلماء أو الخطباء المشهورين الذين يتحدثون بقوة و وضوح و قدرة و اهتمام ، فتجد أن كثيراً من الناس يقتنون أشرطة هؤلاء و يتابعونها أولاً بأول ، خاصة إذا كانت تصدر كسلسلة لشرح كتاب أو ما أشبه ذلك .

2) جودة المادة و ارتباطها بحدث معين ، فإن الناس إذا وجدوا مادة قد أجاد فيها من أعدها و اهتم بها و جمع المعلومات الكافية عنها ، فإنهم يقبلون عليها ، و كذلك إذا كانت المادة متعلقة بحدث معين ، كما حدث في أحداث الكويت مثلا ، فقد جر ذلك الناس إلى سماع ما يقوله المتحدثون و العلماء و الخطباء و متابعة ذلك ، و الإقبال على المادة .

3) طرافة الموضوع ، أي العنوان ، فإن الإنسان أحياناً لما يجد إعلاناً في محل التسجيل عن موضوع ما ، يجد في نفسه تطلعا إلى سماع هذا الموضوع و معرفة ماذا قال المتحدث فيه حتى و لو لم يكن يعرف ، هل أجاد أم لم يجد ، لكن الموضوع بحد ذاته جذاب و هذا يدل على أهمية اختيار الموضوعات التي يتحدث عنها الناس .

4) أهمية الدعاية للشريط ، فبعض محلات التسجيلات تتقن فن الدعاية لأشرطة معينة و إبرازها للرواد و هذا لا شك أنه يجعل هناك إقبالاً على الشريط .

5) الأسلوب الذي طرق فيه المتحدث موضوعه ، و طريقة إلقائه له ، مثل الإكثار من القصص و الشواهد من آيات قرآنية و أحاديث نبوية و أحداث تاريخية و أبيات شعرية و ما أشبه ذلك ، فضلا عن الحماس الذي يتميز به المتحدث ، فالأسلوب هو من أقوى الوسائل في إقبال الناس على الأشرطة ، و إذا كان المتحدث يتميز بأسلوب قوي كان ذلك من دواعي متابعة ما يطرح .

6) عناصر التشويق و الإخراج ، فإذا تمكن المتحدث أو تمكنت محلات التسجيل من إخراج شريط ما بإخراج جيد ، بجعل عناصر للتشويق في البداية و قدمت و ختمت ، استطاعت بذلك أن تكسب عدداً آخر من المستمعين إلى هذه المادة أو تلك .
**************************************

رابعاً / معوقات انتشار الشريط :
و هي كثيرة جدا ، و منها :

1) الأعداء الخارجيون الذين يحاولون أن يخوفوا الناس من الشريط و يحملونه ما لا يحتمل ، حتى يصورونه كأنه مادة حارقة قابلة للانفجار كما فعلوا في صورهم و كاريكاتيراتهم و دراساتهم ، بل إنهم يعقدون جلسات في أماكن عليا و في مؤسسات إدارية و سياسية كبرى ليتحدثوا عن الشريط و يحاولوا أن ينفخوا في هذا الأمر ليثيروا مخاوف الآخرين من مثل هذه المادة ، فيترتب على ذلك التخوف من الشريط ، و بالتالي الوقوف في وجهه أو الحيلولة دون انتشاره أو عدم الإذن به أو ترخيصه أو ما أشبه ذلك من العقبات التي تحول دون انتشار الشريط .

2) بعض الصحفيين و العلمانيين الذين يشنون حملات كبيرة على الشريط الإسلامي كما سوف أشير إلى شيء من ذلك فيما بعد .

3) من المعوقات أيضا بعض الأطراف و الجهات التي يتوقف على دورها و موقفها انتشار الشريط و تداوله بين أيدي الناس من عدمه ، إضافة إلى أنها تتحكم و تؤثر في فتح محلات جديدة أو فروع للمحلات أو تحويل محلات أشرطة الأغاني إلى محلات إسلامية من عدم ذلك ، فبقدر ما يكون التجاوب في هذه المجالات يكون انتشار الشريط أو عدم انتشاره .

**************************************

خامساً / إيجابيات الشريط الإسلامي :
هي كثيرة جدا ، و لا أعتقد أننا بحاجة إلى التحدث عن فوائد الشريط و إيجابياته ، فإن هذا مما يعلمه الخاص و العام ، و يكفي لنعلم إيجابيات الشريط أن ندرك هذا السعار العجيب الذي أصاب أعداء الدين و الدعوة من انتشار الشريط الإسلامي ، فإنه ما أصابهم ذلك إلا حين رأوا انتشار الشريط و فاعليته و تأثيره و دخوله كل بيت بل كل عقل و سيارة ، و تأثر الناس به على كافة طوائفهم و طبقاتهم و مستوياتهم العلمية و العمرية و الوظيفية و غيرها ، فالشريط صار كما أسلفت من أقوى و أكثر وسائل الدعوة تأثيراً و انتشاراً و رواجاً ، و كم من إنسان كانت هدايته بتوفيق الله عز و جل ثم بسبب شريط استمع إليه فكان السبب في تغيير مسار حياته من الضلال إلى الهدى و من الظلام إلى النور و من الغواية إلى الرشد و هذه نعمة كبيرة جداً .


**************************************
سادساً / سلبيات تؤخذ على الشريط الإسلامي :
نحن بحمد الله ، أقول عن نفسي و عن غيري من دعاة الإسلام ، نرجو أن نكون ممن يتسع صدره للأخذ و العطاء و المناقشة و التصحيح ، و هذا أمر طبيعي لأن الإسلام عودنا ذلك ، و لهذا لا غرو و لا عيب في أن نلاحظ على أنفسنا و على إخواننا بأمور رجاء التخلص منها ، لكن الذي نعيبه على الجميع دائماً و أبداً هو حملات التشهير و النقد و التجريح و الظلم و التهجن الذي ليس له أساس من العقل و لا من الحكمة و لا من الموضوعية و لا من العدل ، من أناس يدعون مثل ذلك !
من الملاحظات على المتحدثين :
1) يعتري الإلقاء أحيانا شيء من التوسع في العبارة أو العجلة و الذهول ، و لهذا تأتي أهمية المراجعة ، فإن الذي يتكلم ليس كالذي يقرأ من ورقة ، فقد يحصل له سهو أو غفلة أو ورود عبارة لم يرد أن يقولها ، أو توسع في الأسلوب فهمه الناس على غير وجهه و لذلك فإن من المهم جدا أن يكون هناك مراجعة مستمرة .

2) الخطأ من طبيعة الإنسان ، و بسبب سعة انتشار الشريط و كثافة توزيعه كما أشرت إلى بعض الأرقام في ذلك فإن حجم الخطأ يكون أكبر ، فإن الإنسان لو أخطأ في مجلس من عشرة يكون الأمر يسيراً لكنه لو أخطأ في شريط قد يتداوله ألوف بل عشرات الألوف أحيانا فمعنى ذلك أن حجم الخطأ يكبر و يحتاج إلى تصحيح ، لذلك أقول لا بد أن يكون الحل بأحد أمور :
أ) إما أن يكون ما يلقيه الإنسان مكتوباً بحيث يقرأه من ورقة خاصة إذا كان مهماً ، و إما أن يضبط الحديث بعناصر يتدرج بها واحداً بعد آخر .
ب ) التدرب على التريث في الحديث و عدم الاستعجال ، خاصة في المسائل العلمية و العقدية و القضايا الحساسة التي قد يترتب على الخطأ فيها آثار بعيدة .
ج ) المراجعة ، و هو أن كل عالم أو طالب علم لا مانع أن يصدر بين حين و آخر شريط بعنوان المراجعات أو بعنوان آخر يكتب فيه بعض النقاط التي ينبه عليها كما يقع ذلك للعلماء في كل زمان و مكان .

3) و من المآخذ على المتحدث قضية التكرار ، فإن كل شيء أصبح الآن يسجل كما تلاحظون ، حتى إن بعض العلماء إذا قام من بيته إلى المسجد أو السوق يكون معه طلبة علم يسجلون ما يقول و هو في الطريق ، و بناء على ذلك أصبح هناك تكراراً كبيراً في أشياء كثيرة لأن الإنسان ليس لديه وقت للتحضير دائماً ، و لم يعد التسجيل مقصوراً على مجرد محاضرات و دروس يعد لها الإنسان ، بل أصبح يسجل منه كل شيء ، و لذلك أرى أن الحل يتخلص في أحد نقطتين :
أ) إما التجديد و إعطاء المستحقين حقهم بحيث الإنسان يتعب فيما سيقدم للناس ، و يفرغ وقته إعداد هذا الأمر ، فإذا استمع إليه الناس قالوا كم يحترم هذا المحاضر مستمعيه فعلاً !
ب) فإذا لم يستطع ذلك لغلبة المشاغل و ضيق الوقت ، فلا بد من عدم التسجيل و أن يقتصر على أشياء مخصصة فقط ، و الأمور الأخرى لا يأذن الإنسان بتسجيلها .

اللهم إلا نوعية خاصة من العلماء كمن أسلفت أسماءهم من قبل ، فإن أمثال هؤلاء من العلماء ، يطلب تسجيل أي فتوى يقولونها مهما كان زمانها و مكانها ، لكن البقية يكفي أن يسجل له دروس أو محاضرات أعدها و تعب في تخضيرها ، ضماناً لعدم التكرار .

4) من المآخذ عدم الاهتمام أحيانا بالتأصيل ، فإن المتحدث قد يتكلم أحيانا في عموميات كثيرة جداً و لا يهتم بوضع الأصول و الضوابط التي يستطيع الناس أن يفهموها و يستفيدوا منها .

5) و منها عدم مراعاة واقع الناس أحيانا في اختيار الموضوع ، و عدم التفاعل مع الأحداث ، فمثلاً قد تجد أن الناس مشغولين في حدث ما ، و الحديث في مجال آخر ، فعلى سبيل المثال لما وقعت أحداث الكويت مثلاً و أحداث الخليج بعدها و هي أحداث حية و متفاعلة في نفوس الناس كلهم ، تأتي إلى خطيب فتجده يتحدث في موضوع بعيد كل البعد عن هذه القضايا ، و هذا لا شك ليس من الحكمة ، فالواجب أن يتحدث الخطيب عن الموضوع الذي يشغل بال المستمعين و يوجههم إلى الطريقة المناسبة و الحل الشرعي لمثل هذه القضايا التي تهمهم .

6) من السلبيات كذلك عدم التحضير للموضوع أحياناً ، من حيث المعلومات و الإحصائيات و الحقائق و النصوص و غيرها ، قد تستمع إلى موضوع مهم أحياناً ، لكن ليس فيه مادة علمية جيدة تعب صاحبها في إعدادها و تحضيرها .

7) الأخطاء في اللغة العربية ، و هذا أمر طبيعي من جهة ، لأن المتحدث قد تسبق على لسانه كلمة عامية أو خطأ نحوي ، هذا أمر طبيعي ، لكن ينبغي أن يراعيه الإنسان قدر المستطاع .
أما فيما يتعلق باللهجة العامية ، فأرى أن هذا لا بأس به أحيانا ، أن الإنسان لإزالة الملل و السأم عن الناس قد يأتي بمثل عامي ، أو كلمة عامية ، أو أحياناً بسبب السرعة و ما شابه ذلك ، و هذا عرف عند السلف أنهم يستخدمون بعض ذلك فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى .

أما العلاج في هذه الأشياء فيتمثل أولا في جهد فردي من الإنسان ، بأن يهتم بما يقدم و يضبط و يتعود ، و كذلك جهد علمي من المحلات التي تقوم ببيع الأشرطة الإسلامية بإيجاد لجان محكمة و متخصصة و استشارة العارفين في ذلك ، أو أن المتحدث نفسه يهتم بما يخصه و يقدم للناس مادة جيدة بقدر المستطاع و كما يسمح الوقت .
و بالنسبة لمحلات التسجيلات ، يا حبذا أن يكون عندها لجان متخصصة محكمة تراعي و تراقب هذه المواد فتعتني بها و تحاول أن تصححها بقدر المستطاع ، و تستبعد ما لا يصلح منها و تراجع صاحب التسجيل و تستشير العارفين بهذه الأمور .

ثانياً / سلبيات في محلات التسجيلات ، فمن المآخذ :

1) تغيير الأسماء أحياناً ، فإنك قد تجد للشريط الواحد أكثر من اسم ، و ذلك لأن الأخوة يضعون أحياناً عنواناً باجتهادهم هم ، فيأتي الرائد و يأخذ الشريط يظنه جديداً ، فإذا سمعه وجد أنه قد اشتراه من قبل و لكن الاسم تغير ، و هذه القضية أمانة ينبغي أن تراعى فيها الدقة بحيث يوضع العنوان الذي اختاره المتحدث له .

2) عدم التركيز على الدروس العلمية ، فإن العناية بها و تقديمها للناس و محاولة نشرها بين الشباب و الدعاية لها مهمة ، لأنها هي الباقية ، بخلاف كثير من الأشياء الوقتية التي قد تنتهي و تزول .

3) عدم المبادرة بطلب الحديث أو المشاركة في مناسبات معينة ، يعني أن كثيراً من التسجيلات ربما يكون دورهم في التسجيل فقط و النشر ، لكنهم بحكم احتكاكهم بالناس يدركون أن هناك موضوعات ينبغي أن تطرق ، فالواجب تقديمها للمتحدثين و المشائخ و العلماء ، ويقولون هذه أشياء يكثر الناس من السؤال عنها و يطلبونها ، لأن كثير من الناس يأتون إلى المحل و يقولون : ما عندك أشرطة حول موضوع كذا و كذا ؟ بالإضافة إلى إصدار موضوعات من قبل أصحاب التسجيلات ، و هذا أمر طيب .

4) من المآخذ أيضا ، عدم التعارف بين أصحاب التسجيلات ، فإنه ينبغي أن يكون هناك تعارف و تنسيق في أمور كثيرة ، و تبادل خبرات و معلومات و تعاون فيما يخدم المصلحة العامة ، فإن الذي أعلم من أصحاب هذه التسجيلات ، أن كلهم أو جلهم على الأقل ممن يحمل هم الدعوة إلى الله عز و جل ، و لذلك فإني أقول إن الاهتمام بموضوع الشريط و العناية به و عقد ندوات أو حلقات للنقاش في مثل هذا الموضوع فيما بين المختصين ، هو من أهم الأمور .

5) من السلبيات أيضا ، عدم متابعة الجديد و الإعلان عنه .

6) كذلك ارتفاع السعر أحياناً كما شكا إلي بعض الأخوة من ذلك ، فالناس اليوم أصبحوا يتساءلون و يراقبون و يراعون قضية السعر و المال بسبب ظروفهم المادية بلا شك ، فكل شيء يؤثر فيهم ، و لذلك كلما أمكن أن يكون السعر منخفضاً كان ذلك أدعى لانتشار المادة و الانتفاع بها و الإقبال عليها ، و الاحتساب في الدعوة إلى الله عز و جل ينبغي أن يكون وارداً ، فأنا لا أقول إن أصحاب التسجيلات أصحاب أهداف مادية كما يقول بعض الصحفيين ، حاشاهم من ذلك ، و إن كنا أيضاً لا نقول أن كلهم على قلب رجل واحد ، أعرف من أصحاب التسجيلات من يبيع بسعر مخفض و هذه محمدة ، و أعرف من يوزع نسخا مجانية كثيرة ، و هذا أيضا يشكر لهم ، و أعرف من يقومون بمشاريع تعاونية خيرية و يقومون كذلك بنسخ مواد مفيدة على بعض الشرطة السيئة بالمجان ..

على كل حال المقصود من عرض هذه السلبيات هو التوجيه و لفت أنظار الأخوة إلى بعض هذه الأمور .

**************************************
سابعاً / المقترحات :
أهم هذه المقترحات في نظري هي :

1) ضرورة نقل المناهج الدراسية إلى أشرطة سواء مناهج القرآن الكريم أو مناهج المواد الأخرى للطلاب في الابتدائي و المتوسط و غيرها إلى أشرطة تكون في متناول الطلاب بنين و بنات و هذا مهم و مفيد .

2) وجود برامج متخصصة لطبقة معينة من المجتمع ، مثل برامج للعوام و الأطفال و المرأة و المثقفين و الشباب ، إلى غير ذلك ، و في ذلك بدايات جيدة لكنها تحتاج إلى مزيد من التخطيط و الترتيب .
3) اقتراح مواضيع مهمة يحتاجها الناس كما أشرت إلى ذلك ، فينبغي أن يكون هناك رابط بين المتحدث و السامع ، و تجاوب بينهما .
4) تطوير المادة الفنية في الشريط و الإعداد ، و هذه ناحية مهمة ، فمن المزعج أن يستمع الإنسان شريطاً مشوشاً أو مرتبكاً أو فيه تسجيل متداخل و أصوات غريبة و ما أشبه ذلك ، فلا بد من العناية بالنواحي الفنية و جودة الإخراج .
5) تخفيض السعر بقدر الإمكان فالناس كما ذكرت لظروفهم الاقتصادية يهتمون بالسعر .
6) تغطية المناطق بالمندوبين الذين يتابعون ما يجد .
7)العناية بنوعية الشريط ، فإن بعض محلات التسجيل قد تسجل على أشرطة غير جيدة سريعة التآكل و التلف فلا يستفيد منها الناس و لا يستطيعون الاحتفاظ بها .
**************************************
ثامناً / وقفات مع بعض اليوميات :
لم يعد الهجوم الغربي الكاسح على الشريط الإسلامي سراً ، فهناك جلسات كثيرة في دوائرهم الكبرى السياسية و الإعلامية للكلام عما يسمى بمعركة الشريط ، و الهدف من ذلك هو تهويل الأمر و إثارة المخاوف من هذه الأشرطة .
و لذلك كثير منهم كما قرأت في صحفهم و استمعت إلى أخبارهم يربطونها بثورة إيران و ما جرى فيها ، و هم بذلك خبثاء بلا حدود لأنهم يتجاهلون و لا أقول يجهلون ، لكنهم يتجاهلون عمدا الفوارق الأساسية بين البلاد ، فبين هذه البلاد المباركة الآمنة الطيبة ، و تلك البلاد المليئة بالفتن فرق كبير لا يجهله أحد سواء من الناحية الاعتقادية ، فأولئك قوم من الرافضة الشيعة الذين لهم معتقد خاص و مبدأ خاص و أسلوب خاص في معاملة بعضهم بعضا و في معاملة مجتمعهم و في نظرتهم للأمور ، أما في هذه البلاد فيخيم و لله الحمد مذهب أهل السنة و الجماعة و العقيدة السلفية الصحيحة و آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله باقية معروفة .
كذلك من الناحية العلمية الفرق كبير جداً بين البلدين ، فها هنا العلم بحمد الله يمد رواقه و يضرب أطنابه ، أما هناك فإنه ليس لديهم العلم و إنما لديهم علماء يتبعون ، و ليسوا علماء بل هم علماء ضلالة ، يتبعهم العامة دون روية و تبصر و تفكير ، قل مثل ذلك بالنسبة للناحية الاجتماعية و تركيبة المجتمع و نظرة الناس و واقعهم ، إضافة إلى الناحية التاريخية ، كل هذه الفوارق المؤثرة الكبيرة يتجاهلها أولئك حين يربطون هذه الأوضاع بما يجري في تلك البلاد و يهولون الأمر و يضخمونه لمحاولة تخويف الناس من هذه الأشرطة .
إيران بلد القلاقل و الثورات و الاضطرابات ، و هي من بلاد المشرق التي قال فيها النبي من هناك الزلازل و الفتن حيث يطلع قرن الشيطان ، و تاريخها في ذلك معروف ، أما هذه البلاد فهي بلاد الحرم الآمن ، هذا البلد الأمين ، بلاد رعاة الغنم حيث أخبر النبي صلى الله عليه و سلم عن السكينة و الصدق لدى هؤلاء الرعاة و هم أصحاب الصدق و الوضوح و الصلاح و الاستقامة و توافق ظاهرهم مع باطنهم !
فمن يقيس هذا على ذاك كمن يقيس الخمر على اللبن كما يقول البعض ، و هي شنشنة نعرفها من أخزم ، فإن هذه الدوائر تهدف إلى استعداء القادرين على الإسلام و أهله و اختلاق أوهام كبيرة في النفوس لا حقيقة لها ، و هذا ليس الغريب لكن الغريب أن يلتقف بعض الموتورين هذه الأفكار الأجنبية الغربية و يأخذونها معلبة و ينشرونها بأسمائهم دون أن يذكروا المصادر التي نقلوا منها ، و أخذوا عنها و لو على الأقل للأمانة العلمية !!
فمنذ زمن حين ثارت قضية الحداثة ، نشر في جريدة اليوم في عددها 5399 مقالا بعنوان ( فوضى الكاسيت ) ، و تحدث كاتبه في هذا المقال فجمع بين جلسات الطرب و جلسات الوعظ على حد سواء ، و قرن الأغاني الرديئة بالخطب العصماء على حد تعبيره و أبدى امتعاضه من الرواج الكبير الذي تلقاه الأشرطة الدينية كما يقول و ذكر أنها أصبحت نوعاً من التجارة الرابحة لدى الباعة الذين لا يردون خير لتسويق هذه الأشرطة كما يقول و إنما هي متاجرة بالدين لا تليق بمسلم و وصف المتحدثين في تلك الأشرطة بأنهم لا يعلم إلا الله مدى تمكنهم من الحديث و الطرح الجاد لصالح الإسلام و المسلمين !
فهو ينتقد أصحاب التسجيلات و ينتقد بعد ذلك الذين يتحدثون في تلك الأشرطة الدينية و الخطب العصماء كما يسميها ، و يصف ما يجري بأنه نوع من العبث و أنه خطر داهم لا يمكن الاستهانة به ، بل لا بد من التعامل معه بحزم .. حفاظاً على ماذا ؟ ليس على سمعته الشخصية و لا مكتسباته الحداثية ، و إنما يقول حفاظاً على نقاء الدين الإسلامي الحنيف !!
تبارك الله ! هذه الغيرة الكبيرة ما عهدناها إلا حين جاءت قضية الشريط الإسلامي ! حفاظاً على نقاء الدين الإسلامي الحنيف و صيانةً للمجتمع من عوامل الانشقاق إذا تشربت إليه بذور الشك ! أي أن الذين يبثون الانشقاق في المجتمع هم الذين يدعون إلى التوحيد و الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج ، و يحاربون النحل الضالة من العلمانية و الحداثية و غيرها ، أما أصحاب الحداثة الذين ينشرون سمومهم في هذا المجتمع ، و يبثون أوبأتهم و يدسون رؤوسهم و أنوفهم في كل مكان ، فهم دعاة الوحدة الوطنية .. أجاركم الله !!
و يقول : " لا بد من صيانة المجتمع من بذور الشك التي تنشر على أيدي أولئك الذين يفترون على الله الكذب " ، و لم يحدد من هم ، فهذا الكلام يصلح أن ينطبق على حد زعمه على كل من يتكلم في هذه الأشرطة التي تحدث عنها .
عجبا !! ما هذا الفزع و الغيرة العجيبة على الدين و أهله ؟؟ أين هذه الغيرة من تلك الأشرطة التي تتاجر في العفاف و تبيع الرذيلة عياناً بياناً و تفتك بالشباب ؟؟ و أصحابها منك قاب قوسين أو أدنى ! و ما هذا الاطلاع على دخائل القلوب و ما تكنه النفوس و الضمائر حين تصف هؤلاء بأنهم يتاجرون بالدين و .. و .. ؟؟!!
ثم أين الثقة بالمجتمع ؟ لقد عهدناكم تقولون إن المجتمع محل ثقة و إننا نريد أن تتاح الفرصة لكل أحد في أن يطرح ما عنده من أفكار و مذاهب و نظريات و ظنون و شكوك ، هكذا يقولون ، و المجتمع محل ثقة لا مانع من طرح أي شيء ليأخذ ما يريد بحرية و يترك ما يريد بحرية !! و لا بد من إتاحة الفرصة لما تسمونه أنتم بالرأي الآخر !! فأين هذه الثقة التي كنتم تمنحونها للمجتمع ؟ لماذا سحبتموها منه و وصفتم المجتمع بأنه – كما يقول صاحب المقال – من العامة الذين يصدقون كل ما يسمعون ؟!
و لماذا لا نقول إن هؤلاء العامة الذين يصدقون كل ما يسمعون يجب حمايتهم من لوثات الحداثة و العلمانية و الفكر الدخيل الذي يأتي على شكل قصة أو قصيدة أو شعر أو مقالة ، أو من دعاة التخريب و التغريب بل و من دعاة الاستعمار الذين يمدحون المستعمر على صفحات جرائدنا و مجلاتنا و يقول إن هذا الاستعمار ، و إن أخذ كل أموالنا إلا أنه نور عقولنا و أفكارنا !
إلى هذا الحد ؟ و لماذا لا تطالب أيضا بحماية الناس من تلك الأفكار و المبادئ التي غزت كثيرا من شبابنا و مثقفينا و جعلتهم يرددون نظريات الغرب و تحليلاته دون أي تعديل يذكر ؟؟ لماذا تغفل عن هذا كله و تجعل همك حول هذه الأشرطة ؟؟
ثم ، هل أنت على درجة أنك تستطيع أن تقول عن هؤلاء إنهم يفترون على الله الكذب ؟ إن كنت عالما جليلا فقيها نبيلا قد ثنيت ركبك في حلق العلم و أخذت من العلم الشرعي بنصيب و دانت لك الأمة ، فنعم ، من حقك أن تحكم على أحد ما أن يفتري على الله الكذب ، أما أن تصف أناس هم بلا شك أقدر منك في مجال الشرعيات و أدرى منك في هذه الأمور بمثل تلك التهمة ، ثم كما يقول المثل العربي " رمتني بدائها و انسلت " ، فهذا هو العجب العجاب !!

و كتب آخر في جريدة عكاظ مقالاً بعنوان " باتجاه المطر " ، و أشار إلى قضية مهمة ، و هي أن كثيرا منهم يجد نفسه معزولاً – يتحدث هو عن نفسه – حتى بين أقرب الناس إليه ، حتى بين زوجته و بنته و ولده ، حيث يتهمونه بالزندقة و المروق من الدين ، لماذا ؟ لأن هناك أشرطة تحدثت عن الفاسدين و المفسدين و العلمانيين و الحداثيين و غيرهم !
و هذا يؤكد فعلاً أن المجتمع الذي نعيش فيه مجتمع متدين ، و قد سبق و ذكرت في بعض المناسبات أن الإنسان المنحرف يجد نفسه معزولاً محصوراً حتى بين أقرب الناس إليه ، و هذا مصداق ما كنت ذكرته ، فهو يقول إن الزوجة و التلاميذ و الأولاد و الجيران و القارب و المعارف ، كلهم أصبحوا ينظرون إليه شزراً ، و كأنه ملحد أو زنديق ، و سبب ذلك – حسب قوله – هو صكوك النار التي منحها البعض له و لأمثاله الذين يفكرون بشكل مغاير للسائد ، و بطريقة مخالفة لما عليها المجتمع !
و لذلك يزعم أن هؤلاء أعطوه صكا إلى النار ، و هذا لا شك من تهويلهم و مبالغتهم و بعدهم عن الأمانة العلمية ، فإن صكوك النار هذه لدى النصارى ، نحن مسلمين فهاتوا لنا رجلاً واحدا حكم عليه بأنه كافر ! هاتوا لنا عالماً من علمائنا أو طالب علم أو داعية ، سمى شخصا و قال : فلان كافر ! أين هذا ؟ كونك تقول هذا العمل كفر هذا شيء ، و كوني أحكم على شخص معين بأنه كافر هذا شيء آخر ، أنا قد أقول مثلا أن هذا القول كفر ، أقول ذلك إذا كان القول كفراً ، لكن لا يلزم أن أحكم على كل من قاله بأنه كافر ، لأنه قد يكون قاله جاهلاً ، أو قد تراجع عن ذلك وتاب منه ، أو قد يكون متأولاً ، هناك احتمالات كثيرة تمنعني من أن اصدر حكما عليه شخصيا ، لكني أستطيع أن أحكم على الفعل نفسه ، و هم لا يميزون بين هذا و ذاك ، و لذلك يتحاملون على طلبة العلم و الدعاة و العلماء بمثل هذا الكلام الذي ذكرته .
و يصيح هذا الكاتب و يقول : أنقذونا قبل أن تصل النار إلى رؤوسنا ، و يطلب أن يكتب المتحدث في النور و أمام الجميع ، فيقول : لماذا يكتب المتحدث في شريط ؟؟ لماذا لا يأتي في النور و يتكلم أمام الجميع ؟؟
فأقول : سبحان الله ! هل تركتم مجالاً لأحد كي يتحدث ؟ لقد أمسكتم بخناق الصحف و وسائل الإعلام فأصبحتم لا تأذنون غالباً إلا بالمادة التي تخدمكم و تئدون و تحاربون كل صوت حر نزيه يفضح ما أنتم فيه أو يخالفه ، فلا تنشرون من ذلك إلا النـزر اليسير ، أما الصوت الذي يؤيدكم و يوافق ما أنتم عليه ، فإنكم تلمعونه و تنشرونه ، و إن كان ضعيفاً صححتموه و بالغتم في النفخ فيه حتى يصبح ذا شأن ، و إذ لم تدعوا مجالاً لأحد يتكلم ، فلا يبقى أمام الدعاة إلى الله عز و جل إلا المسجد و المنبر و المنصة و ما يتبع ذلك من هذا الشريط الذي يعبرون فيه عن الرأي الصحيح ، و مع ذلك انزعجوا منه فصاروا يشنون مثل هذه الحملات التي أشرت إلى شيء منها .
و زعم الكاتب أيضا أن الزمن هو الوحيد القادر على فرز الجيد من الرديء من الأفكار ، و هذا زعم غريب ، فالزمن لا يكفي و ها نحن بعد مرور مئات بل آلاف من السنين ، نجد الجدل يحتدم بين نظريات فلسفية قيلت منذ قرون طويلة ، و ليس مجرد كون الشيء قد وقع و تحقق في مجتمع الناس يعني أنه صار حقاً ، لا ، فقد يقع أمر و ينتشر بين الناس و يروج ، و يبقى خطأً مشهوراً ، و يكون هناك صواباً مغموراً ، فليس الزمن هو الكفيل كما تزعم أبداً .

و أخيراً …

طالعتنا صوت الكويت بمقال بعنوان (يوميات كاسيت), تكلمت فيه عن أحد العلماء المحدثين المعروفين و علق الكاتب بقوله : (نتمنى على بعض علمائنا الأكارم أن يبقوا في مجال تخصصهم, و ألا يزجوا بأنفسهم في بحار السياسة , و هم لا يحسنون السباحة فيها حتى لا يغرقوا و يغرقوا شبابنا الحائر معهم ).
ويقول : ( و قديما قال محدث فقيه ألمعي , بين أصحابنا من أرجو بركته و لا أقبل شهادته , و قلت في أمور السياسة ).
أي لا يقبل شهادته في أمور السياسة! يا عجباً..! متى كان الفصل بين الدين و السياسة؟ و منهج من هذا؟ أن يكون عندنا علماء نرجو بركتهم و نقبل منهم الحلال و الحرام و نأخذ عنهم الحديث و العلم و لا نقبل كلامهم في أمور السياسة ؟ و هل أمور السياسة بمعزل عن الدين ؟ هل هناك سياسة و هناك دين, طرفان متناقضان؟
أم أن السياسة و الاقتصاد و الاجتماع و الفن و الأدب و الإعلام و كل أمور المجتمع يجب أن تخضع للإسلام ؟
لا شك أن الجواب هو الثاني, و لا نعرف في دين الإسلام فرقاً بين شيءٍ اسمه دين وشئ اسمه سياسة, و ما هي قيمة العالِم إذا لم يبين للناس قضاياهم السياسية التي هي من أهم القضايا التي يحتاجون إليها و التي تتعلق بمصالح الأمة العامة, هل تريد من العالم أن يبقى محصوراً فقط في أحكام مثل الذبائح و الصيد و النُسُك و الحيض و النفاس و الوضوء و الغسل و المسح على الخفين ، و أن يترك قضايا الأمة لغيره ممن لم يتذوقوا طعم العلم الشرعي, و لم يعرفوا ببلائهم و جهادهم في سبيل الله عز و جل و ما شهدت لهم الأمة بالجهاد في ميدان دعوتها و إعادتها إلى الطريق المستقيم؟ هل تريد هذا؟؟ هيهات!
ألا تدري أنك بكلامك هذا قد أسقطت مجموعة هائلة من فتاوى و بيانات هيئة كبار العلماء تتعلق بأمور سياسية بجميع المقاييس, و أسندت الأمر في هذه الفتاوى بعد أن أسقطتها إلى من تثق أنت بهم و تقبل شهادتهم..؟
إنك تطالب باحترام التخصص, كما هو واضح من عبارتك , و هذا إجمالا ممكن و معقول , لكن لننظر هل هذه القاعدة عامة لكل الناس , أم أنك مستثنى من هذه القاعدة و لك الحق في طرح أي موضوع بدون استثناء؟

ما بالك خضتَ في قضايا مشرقة و أخرى مغرّبة؟ فأنت مرة اقتصادي ماهر, و محلل في مسائل التنمية , تكتب في مقال : ( أوهام و أضغاث أحلام ) ، في ملحمة التنمية ، و ذلك في مجلة الاقتصاد و الإدارة , و تكتب بحثاً بعنوان ( التنمية وجها لوجه ) و هو كتاب مطبوع ضمن سلسلة إصدارات تهامة .
و مرة أخرى أنت خبير في الصناعة و التخطيط الصناعي , تكتب بحثاً بعنوان ( الجبيل و ينبع..كيف و لماذا ) ، و هو موجود في مكتبة وزارة التخطيط بالرياض , و تكتب بحثاً آخر بعنوان ( الصناعة في الخليج .. آفاق جديدة ) ، و هي عبارة عن محاضرة صغيرة ألقيت بجمعية المهندسين البحرينيين .
ومرة ثالثة تكتب في الصحة والخدمات الصحية حيث نشرت لك مقالة بعنوان ( نحو خدمة صحية أفضل ) .
و مرة أنت خبير في السياسة و العلاقات الدولية حيث دراساتك و رسالة الماجستير و الدكتوراه , و من ذلك مقال نشر بعنوان : ( نظرية العلاقات الدولية , هانز جي و نقاده ) , و قد ذكرت في مقابلة مع المجلة العربية في هذا الشهر , أن المصلحة الوطنية , و هذا مما يتعلق بالسياسة و الخبرة في العلاقات الدولية, أن المصلحة الوطنية تقتضي أنك عندما تكون حليفاً لدولة ما , أن تعتبر كل ما يدور بداخل هذه الدولة,خيراً كان أو شراً, من شؤونها الداخلية ، ومن حقك أن تعقد حلفاً مع دولة ما, مهما كان فساد هذه الدولة الداخلي , و لا يعنيك شأنها الداخلي , بمعنى أنك حين قلت قصيدة تمجد فيها صمود العراق في وجه إيران، يوم كانت العراق تحارب إيران حسب تصريحك أنت في العدد نفسه,مصيب و لست بنادمٍ على القصيدة , أي من حقك مثلا أن تتجاهل جرائم صدام حسين مع المسلمين الأكراد و السنة في العراق , و مجازره البشعة ضد العلماء في بلده و ضد الدعاة , و استئصاله لشأفتهم , و قضاءه المبرم عليهم , و أن تعتبر هذا أمراً داخلياً لا شأن لك به ما دامت مصلحتك الوطنية تقتضي أن تكون حليفاً له . هذا معنى كلامك , ومضمون حديثك , و هو جزء مما تحدثت فيه في العلاقات الدولية و الخبرة السياسية .
و مرة أخرى أنت مؤرخ ، تنقل في مجلة اليمامة عدد 684 ورقة عائلية من تاريخ الطبري لتستنتج منها , أن عمر رضي الله عنه يدعو زوجته إلى طعام الغداء مع ضيف جاء إلى عمر من أحد البلاد , و أن الذي منع المرأة من القدوم هو سخطها على عمر , و إلا لجاءت لتأكل مع الضيف , و هي ساخطة لأن عمر لم يشتر لها ملابس جميلة كملابس فلانة و فلانة من نظيراتها , ثم عقبْتَ على مقالك هذا بالهجوم على السادة الكرام الذين يتصورون أن المرأة مخلوقة من الدرجة الثانية و ربما من العاشرة , و لم تبين بالضبط من تعني بهؤلاء السادة الكرام , فربما نكون نحن جميعاً من أولئك السادة الكرام !
و مرة أنت مفسر و محدث تروي عن الطبري في تفسيره أقوال منكرة غريبة و آثار مرفوضة , و تتجاهل كلام ابن كثير في نكارتها , و تتجاهل العقل الذي ينكرها و يرفضها , و تتجاهل أن إسنادها مظلم كالليل , و تمكن لهذه الروايات ، لتستدل بها على بعض نظراتك التي تتعلق بالأوضاع السياسية في منطقة الخليج و ما حولها .
و مرة أنت باحث اجتماعي كما في كتابتك ( قضية القضايا , و بقية البقايا ) حيث تحدثت عن التغير الاجتماعي و كيف يتم هذا التغيير , و أنه من خلال التغيير الاجتماعي يمكن أن تُحسم أمور سابقة كقضية اللاسلكي , أو تعليم المرأة أو عمل المرأة أو قضية التلفاز و غيرها , و أنه يجب أن يتم الحوار حول القضايا المطروحة في جو هادئٍ بعيدٍ عن التشنج و الانفعال و استعداء السلطة على الرأي الآخر , و بعيدٍ عن الاتهامات التي تلقى جزافاً و بلا مبالاة .
لا أدري , ما دمت تحذّر من استعداء السلطة على الرأي الآخر , ماذا كنت تعني بالضبط بقولك في يوميات كاسيت : ( أيتصور البعض أن جهاد الكاسيت معركة باردة ) , يعني الجواب عنده : لا ! هي معركة ساخنة فخذوا حذركم .. هذا معنى كلامه ..
و مرة أنت كاتب أصولي تكتب في أصول الفقه , و تكتب عن آداب الاجتهاد و الاختلاف في الإسلام , كما في اليمامة , و تنقل عن الإمام ابن القيم رحمه الله و الإمام مالك رحمه الله و الإمام الشاطبي رحمه الله و قد حسبت في هذا الكلام نقولَ كثيرة , بل إن الكلام كله نقول , و ختمت النقول بقولك : ( ترى ..متى يتعلم المسلمون المعاصرون من أسلافهم العظام شيئاً من أدب الاجتهاد و أدب الاختلاف ؟ ) .
نحن نوافق على أنه يجب أن نتعلم من أسلافنا كل شئ و ليس فقط أدب الخلاف و أدب الاجتهاد , لكن لا أدري أين ذهبت هذه الآداب في مقالة الشريط , حيث برزت اتهامات بالكذب و الاختلاق , و اتهمت بعض المحدثين بأن هناك أشياء و قصص يروونها لا وجود لها إلا في خيالهم , و معنى ذلك أنهم تخيلوا شيئا و اختلقوه و رسموا منه قصة موضوعة , و سردوا حكايات لا وجود لها إلا في خيالهم , و لا أدري لماذا التدخل في توزيع التخصصات و الاستغناء عن خدمات العلماء ؟
إنك تلمح بأن بعض المتحدثين في تلك الأشرطة هم كإذاعة بغداد , و أنهم أخذوا بعض ما يتكلمون فيه عن مخاطر وجود المرأة الأجنبية مجندة كانت أو غير مجندة على هذه البلاد و أخلاقياتها من خيالهم , و أن همهم هو إثارة البسطاء كما تقول , و استفزازهم بقصص خيالية .
إن هذا الكلام يصدق على الممثلين و يصدق على الفنانين , و يصدق على بعض المشتغلين في الإعلام , و يصدق على بعض الأدباء و الشعراء الذين همهم إثارة البسطاء و استفزازهم حقاً , أما العلماء فإنهم يتكلمون عن حقائق و وثائق و وقائع و إن كانت لا تعجبك على كل حال..
أين الأسلوب العلمي ؟ أين الهدوء المعتاد الذي تدعو إليه؟
و مرة أخرى , تتحول إلى مفتي , يفتي في الجليل و الحقير , ففي مقابلة مع عكاظ يفتي بالموسيقى و بفتي بجواز كشف المرأة لوجهها , و يقول : ( هاتوا لي دليلا من الكتاب و السنة , على تحريم قيادة المرأة للسيارة , فالكلام المطروح حتى الآن غير مقنع هذا الموضوع ) .
و قد تجرأتَ أكثر و أكثر حين كتبت في جريدة المسلمون في عدد هذا الأسبوع بعنوان : ( حد القذف هل يشترط التصريح أم يكفي فيه التلميح ) , و هذا تدخّل حتى في أعمال القضاة أيضا , تحدث عن القذف و أنه حرام بالكتاب و السنة , و ساق الأدلة على تحريمه , و أنا ألخص لكم الفائدة حتى تنتفعوا بها , و ذكر أن ألفاظ القذف تنقسم إلى ثلاثة أقسام : صريح و كناية و تعريض ..!
طيب .. ماذا بقي لنا بارك الله فيك , و أصلحك ؟ إذا وصلت إلى هذه القضية ماذا بقي لنا؟ السياسة لا تتكلموا فيها , و الاقتصاد ليس من شؤونكم , و الصناعة و الصحة و الإعلام و .. و .. و الآن أتيت إلى تخصصنا أيضا في موضوع القذف , و في قضايا فقهية تتحدث عن الأدلة و تنقل و تقول أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام و تأتي باختلاف العلماء حول الكنايات كقول القائل لامرأة يا فاسقة يا فاجرة يا خبيثة , و تنقل مذهب الأحناف من كتاب اسمه الميسور للسرخسي , يمكن خطأ مطبعي .. لا أدري , الميسور لا أعرف كتاباً بهذا الاسم , هناك كتاب اسمه المبسوط للسرخسي , و هو المقصود , على كل حال , و نقل من كتاب آخر اسمه الفقه على المذاهب الأربعة , و هذا الكتاب يقول بعض علمائنا المعاصرين بوجوب إحراقه لأنه كتاب غير موثق و لا يعتمد .
ثم عقب بقوله : ( فأعجب من نفرٍ يدعون الغيرة على الأعراض , و هم يستخدمون ألفاظاً يستحق قائلها الحدّ أو التعزير .. ) و معروف من يقصد بذلك , و لا أدري بالضبط هل سمع هو أو سمع غيره شخصاً معيناً يقذف أحداً بالفاحشة ؟
أصل القضية , الكلام في قضية الحد، يفتقر إلى أن يكون أمامك شخص قاذف , فلان بن فلان قذف , بعد ذلك تبحث هل قذف بلفظة صريحة أو كناية أو تعريض, و هل يستحق الحد أم التعزير و هل هو مخطئ أم مصيب .. هذا موضوع آخر ..
لكن الآن ليس أمامنا شخص معين وجد أنه قذف حتى تأتي أصل فكرة البحث , أصل فكرة البحث مبنية على شفا جرف هارٍ , لكن هكذا من تدخل في ما لا يحسن أتى بالعجائب .. فكيف تتحدث عن فعل لا فاعل له ؟!
و إلى هذا و ذاك , فأنت الشاعر الرقيق , صاحب الدواوين العديدة و التي منها ديوان ( معركة بلا راية ) , و أستغفر الله و أتوب إليه حين أجد نفسي مضطراً إلى أن أقرأ لكم مقاطع من ديوان معركة بلا راية لهذا الفقيه المفتي :
**********
أتفهمين إذا قالوا غدا ذهبا
أتفهمين إذا قالوا اختفى..هربا؟
مضى و ما قال في عينيك قافيةً
و خلف الكأس تبكي الصيف و العنبا
**********
أفتش بين الوجوه
فألمح شوق البشر
إلى رحلة في بوادي الخدر
و ألمح خلف العيون
حنيناً إلى سفرة في الجنون
و ترثي الكؤوس..لمن يشربون و لا يسكرون
**********
و هذي الجموع
تحاول نسيان آلامها
و تبني محاريب أوهامها
و تحلم فيها بليلة سُكْر
و مخدع عطر
يحوم عليها بخار الكحول
و يروي المساء
حكايا الفحول
و كيف يصيدون أحلى النساء
***********
و كنتِ بقربي
و كان السرير..يحدث عن ليلةٍ ثائرة
***********
أتحسبين أننا , بقبلةٍ , نقدر أن نخلق نفسينا كما نشاء؟
و أننا بضمةٍ ، نقوى على نسيان ما يدور في الخفاء؟
و أننا إذا ارتمينا في السرير عاريين
نهرب مما كان في ثيابنا؟
*********
نعم .. أحببتُ قبلكِ ألف مرة
و ذقت الحب نشوته و مره
و طرتُ مع الشفاه إلى ربيع
قطفت وروده و شربت خمره
و غصتُ مع النهود إلى لهيبٍ
نشقتُ دخانه و أكلت جمره
**********

و أنا أستغفر الله عز وجل , ثم أعتذر إليكم من إيراد مثل هذا الكلام المنتن في مثل هذا المكان الطيب المبارك , و لكن هذا مما لا بد له لإيضاح الأمور و كشف الحقائق و تجليتها لمن لا يدركها..
انتهينا الآن من تناول النقطة الأولى , و هي أن كل الناس يجب أن يتخصصوا و أن يحترموا تخصصهم , خاصة من هم في المجالات الشرعية , يجب ألا يتدخلوا في ما لا يعنيهم , أما غيرهم فمن حقهم أن يتكلموا في أي موضوع !
و هناك أمر آخر , ما هذه التناقضات ؟
إنني لا أستطيع أن أفهم شخصاً يتكلم عن ابن القيم و مالك و الشافعي و أحمد و الشاطبي رحمهم الله , ثم يتحدث بلهجة أخرى عن مثل نزار قباني بأنه : ( شاعر فحل لا يزيده هجوم الهاجمين إلا شموخا و سموقاً ) , كما في مقابلة مع عكاظ عام 1402 هـ ، و هي عندي مصورة .
لِمَ لَمْ تثر حميّتُك الدينية ضد نزار قباني كما ثارت لصالح قضية القذف , والتي تكلمت عنها و انفعلت بها ؟
لِمَ لَمْ تثر حميتك كما ثارت في قضية الكاسيت , ألم تسمع نزار قباني يسخر من رب العالمين و يقول في كتاب الحب :
" قد يعرف الله في فردوسه المللا ..! "
ألم تسمعه أيضا يقول :
" أنا أرفض الإحسان من يد خالقي ..! "
هل هناك أكفر من هذا الكفر , و أبجح من هذه البجاحة ؟
فلماذا تلمِّع مثل هؤلاء الناس الذين أعلنوا كفرهم برب العالمين , و تتكلم عنهم كأنهم عظماء - و لو في مجالهم - دون أن تتكلم بكلمة واحدة عن مناوأتهم لهذه الأمة و مخالفتهم حتى لأخلاقياتها و قيمها , بل حتى لمصالحها .. ؟
كيف تتحدث عن طه حسين بقولك : " الذي خلده التاريخ " و تتناسى أنه يقول : ( قد يحدثنا القرآن عن إبراهيم و إسماعيل , و هذا لا يعني بالضرورة وجودهما التاريخي ) ؟
لِمَ لَمْ تثر حميتك الدينية من ذلك المحاضر الذي طردك من القاعة كما تقول في اليمامة عدد " 1127 " ، و الذي تعلمت منحنيات العرض و الطلب و قانون المنفعة المتناقضة , و نظرية الميزة النسبية , و سمعت منه لأول مرة اسم آدم سميث و كارل ماركس ؟
و أشير إلى مقابلة في الشرق الأوسط أجرتها معه هدى الحسيني , و سألته : (هل يمكن للإنسان أن ينجح في أن يكون دبلوماسياً و سياسياً و شاعراً و كاتباً و صحفياً في الوقت نفسه ؟ ) , لاحظ السؤال , هي ما سألت و فقيهاً و عالماً و مفتياً و قاضياً و كذا و كذا , سألت فقط عن أربع نقاط , الجواب له : ( من الناحية المنطقية يمكن للإنسان أن يكون عدة أشياء , أين الصعوبة ؟ لقد عرف التاريخ العديد من الدبلوماسيين الذين كانوا في نفس الوقت شعراء و كتاب قصة , و أعظم الشعراء في العصر الحاضر كانوا من الدبلوماسيين أمثال عمر أبو ريشة و نزار قباني , و بدوي الجبل كان وزيراً و سياسياً , لذلك ليس بالأمر الغريب أو بالبدعة أن يكون الإنسان دبلوماسياً و شاعراً و كاتباً في وقت واحد ) .
و هاهنا أقول : لمن التخصص إذن ؟
القضية الثانية , هي كيف نفهم هذا التناقض , ثم ما هذا الهجوم الصارخ على كل من تسميهم بالأصوليين , و هي تسمية نصرانية مستوردة غربية كما هو معروف , أنت تحاربهم بسيفك الخشبي القديم المتآكل , فما هو السر في أن تحشرهم جميعاً في زمرة صدام حسين , و أنت مرة تسميهم بالصدَّاميين أيضا , و مرة أخرى تقول عنهم : ( فئة المزايدين من زعماء ما يسمى بالحركات الأصولية و منطق هؤلاء وصولي محض - لاحظ وصولي..أي أن هدفه الوصول إلى السلطة بكل وسيلة - و لا تزال الشعارات المعادية للإمبريالية ذات بريق في الشارع الوصولي , فهم يستخدمونها لأغراضهم السياسية و هذا موقفٌ انتهازيٌ من ساسةٍ يهمهم الوصول إلى الحكم تحت أي شعارٍ و بأي وسيلة ) .
ثم ذكر موقف زعيم الأصوليين في السودان كما يقول , و قال : ( إن لهم هدفاً واحداً يتيماً , الوصول إلى السلطة , و قس على هذا الموقف موقف بقية الساسة الأصوليين المتعطشين إلى الحكم ) .
أولاً : الذي نعهده من المخلص لقضيته , و أنت تظهر الإخلاص لقضيتك , أنه يحرص على أن يكسب الناس ضد صدام , و ليس أن يحشرهم في زمرة صدام , فما بالك مع من ينتسبون إلى الدعوة الإسلامية , لقد حرصت على أن تحشرهم جميعا في زمرة الموالين لصدام حسين , مع أنني لا أنكر أبدا و لا أحد ينكر أن هناك فئة غير قليلة ممن ينتسبون إلى الدعوة الإسلامية , قد انخدعوا بهذه الدعوات و الألفاظ البراقة التي أعلنها صدام حسين , فركضوا وراءه و هتفوا باسمه و تحالفوا مع البعثيين و غيرهم , و هذه غلطة كبيرة تحدثت عنها في غير هذا الموقع ، و هي أمور في الواقع تؤكد فعلاً أنه يجب مراجعة أمور كثيرة بالنسبة للدعوة الإسلامية و أوضاع الدعاة ,و لكن ليس صحيحاً أن بعض الذين في قلوبهم مرض يستغلون خطأ فئة ليحاولوا أن يلصقوا هذا بكل من ينتسب للدعوة الإسلامية .
سميتهم بالأصوليين و حشرتهم جميعاً دون أن تميز بعضهم من بعض و بدأت تطلق التّهم جزافاً تحت مظلة أن هؤلاء من أصحاب صدام و أن من حقك أن تقول فيهم ما تشاء.
نحن حريصون على أن كل إنسان ليس موالياً لصدام , يعلن صوته و يبرأ ساحته , و لسنا حريصين على أن نتهمه بالموالاة و أن نشهر إعلاميا أنه من المؤيدين و لو لم يكن كذلك .
أين الإخلاص للقضية التي تكتب عنها صباح مساء ؟ إنك الآن تتهم هؤلاء بأنهم طلاب حكم أو طلاب سياسة , و أنا لست مدافعا عنهم فهذا أمر آخر .
و لكنني أقول : إنك أيضاً في مقالك (يوميات كاسيت) وصفت طائفة أخرى من المؤمنين بأنها تستهدف الشهرة من خلال الشريط , فها أنت تقول ساخرا من شاب بكى لوجود مجندة أجنبية : ( لماذا لم ينضم صاحبنا إلى المقاومة الكويتية ؟ أرجو ألا يكون السبب الخوف ! ) , ثم قال : ( و ليس كذلك اللقاء مع أشرطة الكاسيت ) .
يعني ما فيه خوف اللقاء مع أشرطة الكاسيت !
ثم يقول : ( فهو شعبية بلا ثمن , قال بعض الفقهاء عن صيام رمضان في الشتاء ..غنيمة باردة ).
إذن أنتم يا أصحاب الكاسيت طلاب شهرة و طلاب شعبية لا أكثر و لا أقل !
أما صاحب المقال فليس كذلك , ألم تقرءوا في الشرق الأوسط حين قابلته هدى الحسيني : ( أنا لم أكن في يوم من الأيام في مباراة كسب شعبية , و لست الآن في مباراة كسب شعبية مع أحد , و لن أخوض في المستقبل مباراة لكسب شعبية لا مع حكام و لا مع شعوب ).
سبحان مغير الأحوال! ما بين المقالين إلا أيام و ليال , و لي هاهنا أكثر من سؤال ..
أولا : إذا لم تكن تريد الشعبية و لست تريد المنصب كما نفيت ذلك أيضا , فأنت تريد الجنة بعملك هذا إذن ؟ لستُ من الحراس على باب الجنة , و عَلِم الله أننا نتمنى لكل إنسان أن يهديه الله عز و جل سواء السبيل و أن يكون من أهل الجنة , هذا ما يعلمه الله من قلوبنا , حتى الذين أساءوا و ظلموا , نتمنى لهم أن يهديهم الله عز و جل إلى سواء السبيل ، و أن يرفعوا الرايات البيضاء و يعلنوا ولاءهم للإسلام و أهله صدقاً بقولهم و فعلهم لا بمجرد التمسح بألفاظ و عبارات إسلامية , علم الله أننا نتمنى أن يهديهم الله عز و جل ..
لكن أعمالَ كثيرة مما تعملها , ليست من الأعمال التي شرعها الله للوصول إلى الجنة..
ثانياً: لم هذا الزخم الهائل من الكتابات , حتى كثرت مقالاتك و مقابلاتك و قصائدك و تعليقاتك و مشاركاتك , حتى إن بعض الصحف لو لم تصلها المقالة ما صدرت ذلك اليوم أو تأخر صدورها , فضلاً عن المجلات الأسبوعية و الشهرية و الكتب و أخيرا ..الأشرطة!
حتى تجار الكاسيت كما يسميهم هذا التعيس , لم ترض إلا أن تشاركهم في عملهم , الذي لم يبق بأيديهم غيره , و كأنك تندب حظك العاثر حين تقول في اليوميات : ( جاء دوري , استمعت إلى كاسيت بصوتي القبيح يحتوي على الرسائل التي كتبتها بعد الاحتلال , و هاأنا أصنّف نفسي دون تردد من مجاهدي الكاسيت , رحم الله امرئ عرف قدر نفسه , و ها أنا عرفت قدر نفسي , جبان خاف الموت في المعركة ، فآثر السلامة في الكاسيت , و أنا على خلاف زملاء المهنة من مجاهدي الكاسيت , أحمد الله على أن جعل البترول ضروريا للعالم كله .. ) .
كأنك تلمح إلى عدم انتشار شريطك , و سبب ذلك تعزوه إلى قبح صوتك كما وصفت , اسمح لي أن أقدم رأيي المتواضع فأقول : أولاً ، السعر غالي , الشريط بعشرين هو و الكتاب و المضمون واحد , لأن الكتاب مفرغ في شريط , فلماذا يُقرن بينهما في كيس واحد ؟
ثانياً : الكتاب سبعون صفحة سميكة ملونة فخمة , منها عشر صفحات بيضاء100% , و الباقي يكون في الصفحة أحيانا كلمتين أو ثلاث , أو أربع , ما حاجة القارئ إلى شراء صفحات بيضاء , مع أنك تعرف ظروف القارئ المادية و الاقتصادية , يعني مجرد صفحات عليها فارس سقط من حصانه , عشر صفحات هكذا , و ما حاجته إلى شريط لصوتك القبيح على أنغام الموسيقى ؟
سؤال أخير , ما معنى نشرك باقة من الورود ما دمت من الزهاد في الشهرة , و الزهاد في الشعبية , و الزهاد في المنصب , و الزهاد في كل شئ إلا في ما عند الله عز و جل , فما معنى نَشْرِكَ في الشرق الأوسط باقة من الورود الحقيقية تعبيراً عن الإعجاب بشخصك ؟
لقد نشر مجموعة من الرسائل أنقلها باختصار :
***************
" فلان يرجو قبوله مريداً لنا.. "
الجواب : لن تجد أكثر منا ترحيباً بمريد.
" فلان سمى مولوده باسمنا .. ".
" فلانة تصف كلماتنا بأنها جرعة أمن و أمان لنا في هذا الزمن البائس .. ".
" أرسل إلينا فلان قصيدة جميلة .. "
( و لا أدري كيف صارت جميلة )..
" عنوانها : سفير المعالي و المكارم و الندى .. "
( صارت جميلة لهذا !).
" فلان يصف شخصنا المتواضع بالجوهرة.. "
" الأخ الكريم فلان يعتبر ما نكتبه يعبر تعبيراً صادقاً عن شعورنا كسعوديين . . "
" و آخر يرسل رجاءً حاراً هو ألا نمتنع أبدا عن الكتابة .. "
" و عاشر يقول : إن شعور كل الناس , كل واحد منا ، إنما تنطق بلسانه و تخط بيمينه.."
" و العشرين يعبر عن إشفاقه علينا من المخاطرة الكبيرة التي نعرض لها أنفسنا .."
" و آخر كتب قصيدتين جميلتين فينا.."
( و لم يكتب أبيات من هذه القصائد حتى نشارك في الحكم على جمالهما ).
" آخر يخبرنا أنه يحبنا .."
" واحد ينصح باتباع الحذر و الحيطة خوفا من أتباع الطاغية صدام .."
و الأخت الكريمة فلانة تقول : " أنت والله الوحيد ممن يكتبون ، ممن يستطيع إثارة مكامن الفكر في نفسي .. ".
( لاحظ ليس مكامن الفكر في عقلي , بل في نفسي , و الذي نعرف أن الفكر في عقل الإنسان ! ).
" فلان يقول كل من لا تعجبه كتاباتنا فهو من أنذال العرب .."
" فلان يصفنا بأننا قائد الكتاب الخليجيين .."
و آخر يقول: " لقد أنشدت فأطربت .."
و الأخ الكريم يستغرب أن تصلنا رسالة شتيمة واحدة , يقول : " لأني لم ألمس لك إلا الحب الشديد من كل الناس .."
و فلان يقول " " إن عين العاصفة هي الوجبة الدسمة الشهية .."
فلان أرسل إلينا يقول :
" و إذا الفتى بلغ السماء بفضله *** كانت كأعداد النجوم عداه .."

__________________________

و بقي أن أقول , إن المجتمع و الأمة لا يمكن أن تتقبل مثل هذا المديح ، و لا أن تتقبل البراءة من حب المديح و حب الشهرة من إنسان ينشر مثل هذه القائمة الطويلة ممن مدحوه و كتبوا له رسائل ثناء و شكر و إطراء ..
و على كل حال .. الأمة تعرف مجاهدي الكاسيت كما سميتهم منذ زمن بعيد ,وقد بلتهم و جـرّبـَتـْهم في المحن و الشدائد , فوجدتهم أخلص الناس لها , و أثبت الناس في المواقف و الأزمات , و أصدق الناس , و إن كانوا ليسوا بالملائكة و لا بالمعصومين , و لكنهم من أتباع الرسل , و هم الورثة لهذا الميراث النبوي الكريم , و تاريخهم طويل , و لكن لعل اكتشافك لمعرفة الأمة بهؤلاء الرجال و اكتشافك أن الأمة لا ترضى بهم بديلاً و لا يمكن أن تقدم عليهم أحداً , و أنها تلفظ و ترفض كل من يناوئهم , هذا الاكتشاف جاء متأخراً و هو الذي سبب هذا الانزعاج لك فظننت أنهم ولدوا في يوم وليلة ..
هذا ما أحببت أن أطرحه بين أيديكم ..


المصدر / صيد الفوائد


الساعة الآن 03:51 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

new notificatio by 9adq_ala7sas
ملتقى مدينة العيون

Security team