المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قياس محيط الارض.....


hالقاضيS
12-02-2004, 02:48 AM
قياس محيط الأرض
كان هناك محاولات عديدة لقياس محيط الأرض منذ القرن الرابع قبل الميلاد. فلقد حاول الفلاسفة اليونان تقدير حجمها وقياس محيطها، واعتمدت طريقتهم في ذلك على قياس ارتفاع نجم معين من موقعين مختلفين على سطح الأرض يقعان على خط طول واحد تقريبا. وقدر أرسطو محيط الأرض بحوالي (750000) كم، أي ما يقرب من ضعف طوله الحقيقي، وقدره يودوكسوس حوالي 370 قبل الميلاد بنحو (36000) كم (حوالي 400000 ستاديا، وهي تساوي 157,5 مترا). وهناك تقديرات أخرى مشابهة قام بها فلاسفة آخرون على نفس الأسس، ويعود الفرق بين هذه التفاوت في تقديرهم لارتفاعات النجوم في ذلك الوقت.
أما أول من قاس محيط الأرض على أساس علمي سليم في العصور القديمة فهو الفلكي الرياضي السكندري إيراتوستين. واعتمدت طريقة ايراتوستين لقياس محيط الأرض على ملاحظة الفرق بين زاوية سقوط أشعة الشمس على سطح الأرض عند قرية سيين الواقعة على مدار السرطان (حوالي 40كم جنوبي أسوان)، ومدينة الإسكندرية وقت الظهيرة في يوم الانقلاب الشمالي للشمس (21 يونيو). وكان معروفا وقتذاك أن مدينتي أسوان والأسكندرية تقعان على نفس خط الطول وأن المسافة بينهما حوالي (5000) ستاديا. واستخدم إيراتوستين المزولة لقياس زاوية ميل أشعة الشمس الساقطة. ولقد وجد إيراتوستين أن أشعة الشمس وقت الظهيرة في يوم الانقلاب الصيفي الشمالي كانت عمودية تماما على سطح الأرض في منطقة أسوان حتى أن العصا التي تثبت رأسيا في هذه المنطقة لا يكون لها ظل، وفي نفس الوقت يكون للعصا الرأسية في الأسكندرية ظل على السطح الأفقي. وقاس إيراتوستين زاوية ميل الشمس عن العمودي في الإسكندرية فوجدها (5 / 1 7 ) درجة من دائرة وعاء المزولة التي مقدارها (360) درجة. وهي تقابل المسافة بين أسوان والأسكندرية (5000) ستاديا.
وعلى ذلك كان محيط الأرض كما قدره إيراتوستين هو





ثم صحح إيراتوستين هذا الرقم إلى (252000) ستاديا، وهو ما يعادل (39690) كم. وهو يقل (430) كم عن المقدار الصحيح لمحيط الأرض (40120) كم.
وفي العصر السكندري تمت محاولات أخرى لقياس محيط الأرض، فقد قاس فيلون السكندري الذي كان ضمن حاشية بطليموس سوتر وأجرى قياساته على ساحل البحر الأحمر في منطقة برانيس بمصر ووجد أن طول الدرجة يبلغ (700) ستاديا، وبالتالي فإن محيط الأرض (700 * 360 = 252000 ستاديا). وهي نفس القيمة التي حصل عليها إيراتوستين.
وفي القرن الثاني قبل الميلاد حاول بوسيدنيون أحد فلاسفة اليونان أن يصحح الرقم وأجرى قياساته على المسافة بين الإسكندرية ورودس فوصل إلى الرقم (240000) ستاديا. ثم صحح بوسيدنيوس الرقم بعد ذلك إلى (180000) ستاديا، وهو ما يعادل (28350) كم.
وفي المشرق تمت محاولات أخرى لقياس محيط الأرض، حيث قام علماء الهند باستخدام وحدة قياس تسمى يوجاوا وهي تساوي ثمانية أميال عربية (الميل العربي يساوي 1973,2 مترا). وقد تراوحت التقديرات الهندية لمحيط الأرض اختلافا كبيرا فكانت (53393) كم، و (81977) كم، و (7586) كم.
وفي العصور الإسلامية قام العلماء المسلمون أيام الخليفة المأمون بقياس محيط الكرة الأرضية. وكان ذلك بأمر من الخليفة المأمون عندما وصل إلى علمه أن المتقدمين قد ذكروا أن محيط كرة الأرض أربعة وعشرون ألف ميل، فأراد المأمون أن يقف على حقيقة ذلك. فأمر بني موسى أن يتأكدوا من ذلك قائلا: "أريد منكم أن تعلموا الطريق الذي ذكره المتقدمون، حتى نبصر هل يتحقق ذلك أم لا؟ فسأل بنو موسى عن الأراضي المتساوية في أي البلاد هي؟ فقيل لهم: صحراء سنجار، وجاءوا إلى الصحراء المذكورة فوقفوا في موضع منها، فأخذوا ارتفاع القطب الشمالي -أي عرض المكان- ببعض الآلات، وضربوا في ذلك الموضع وتدا وربطوا فيه حبلا طويلا، ومشوا فيه إلى جهة الشمال أيضا كفعلهم الأول. ولم يزل ذلك دأبهم حتى انتهوا إلى موضع أخذوا فيه ارتفاع القطب المذكور، فوجدوه قد زاد على الارتفاع الأول درجة، فمسحوا ذلك القدر الذي قدروه بالحبال. فبلغ ستة وستين ميلا وثلثي ميل فعلموا أن كل درجة من درج الفلك، يقابلها من سطح الأرض ستة وستون ميلا وثلثان. ثم عادوا إلى الموضع الذي ضربوا فيه الوتد الأول، وشدوا فيه حبلا وتوجهوا إلى جهة الجنوب ومشوا على الاستقامة، وعملوا كما عملوا في جهة الشمال. ثم أخذوا الارتفاع فوجدوا القطب الجنوبي قد نقص عن ارتفاعه الأول درجة، فصح حسابهم وحققوا ما قصدوه من ذلك... فلما عاد بنو موسى إلى المأمون وأخبروه بما صنعوا، وكان موافقا لما رآه في الكتب القديمة من استخراج الأ وائل، طلب تحقيق ذلك في موضع آخر؛ فسيرهم إلى أرض الكوفة، وفعلوا كما فعلوا في سنجار فتوافق الحسابان، فعلم المأمون صحة ما حرره القدماء في ذلك".
ولقد وجد بنو موسى أن محصلة القياسين اختلفت فيما بين (56,25) ميلا و (57) ميلا، فاتخذوا متوسطهما وهو (56,67) ميلا تقريبا. وباعتبار أن الميل العربي يساوي (1973,2) مترا.
ويكون طول محيط الأرض حاصل ضرب (56,67 * 1973,2 * 360ْ) وهو يساوي (40253,3) كم بالقياس الحالي، أي بنسبة خطأ مقداره (133,3) كم عن القياس الحديث.
ويعد هذا القياس أول قياس حقيقي أجري بالتجربة، مع كل ما اقتضته تلك المساحة من المدة الطويلة والصعوبة والمشقة واشتراك جماعة كبيرة من الفلكيين والمساحين في العمل. ولكن بعد قرنين من الزمان قام البيروني مرة أخرى بالتجربة منفردا للتحقق من نتائج فلكي المأمون، فذكر في كتابه الأسطرلاب ما نصه:
"وفي معرفة ذلك طريق قائم في الوهم صحيح بالبرهان والوصول إلى عمله صعب لصغر الأسطرلاب وقلة مقدار الشيء الذي يبنى عليه فيه وهو أن تصعد جبلا مشرفا على بحر أو برية ملساء وترصد غروب الشمس فتجد فيه ما ذكرناه من الانحطاط ثم تعرف مقدار عمود ذلك الجبل وتضربه في الجيب المستوي لتمام الانحطاط الموجود وتقسم المجتمع على الجيب المنكوس لذلك الانحطاط نفسه ثم تضرب ما خرج من القسمة في اثنين وعشرين أبدا وتقسم المبلغ على سبعة فيخرج مقدار إحاطة الأرض بالمقدار الذي به قدرت عمود الجبل. ولم يقع لنا بهذا الانحطاط وكيته في المواضع العالية تجربة. وجرأنا على هذا الطريق ما حكاه أبو العباس النيريزي عن أرسطوطاليس أن أطوال أعمدة الجبال خمسة أميال بالمقدار الذي به نصف قطر الأرض ثلاثة آلاف ومائتا ميل بالتقريب فإن الحساب يقضي لهذه المقدمة أن يوجد الانحطاط في الجبل الذي عموده هذا القدر ثلاث درجات بالتقريب. وإلى التجربة يلتجأ في مثل هذه الأشياء وعلى الامتحان فيها يعول وما التوفيق إلا من عند الله العزيز الحكيم".
ولقد استخدم البيروني المعادلة الرياضية التقريبية التالية في حساب نصف قطر الأرض:





حيث (س) هي نصف قطر الأرض، و(ف) هي ارتفاع الجبل، و(ن) هي درجة الميول.
وللتأكد من طريقته في الحساب وتحقيق هذه المعادلة والتأكد من قياس فلكي المأمون، قام البيروني فعلا بالالتجاء إلى التجربة، فاختار جبلا في بلاد الهند مشرفا على البحر وعلى برية مستوية. فصعد إلى قمة الجبل وقاس ارتفاع الجبل، ثم قاس زاوية انخفاض ملتقى السماء والأرض على المستوى الأفقي المار بقمة الجبل. فكان مقدار ارتفاع الجبل (652) ذراعا ومقدار زاوية الانحطاط (34) دقيقة. فاستنبط أن مقدار درجة من خط نصف النهار تعادل (58) ميلا على التقريب. وبالتعويض في المعادلة يكون:





ويكون محيط الأرض = 2 ط س = 2 * 3،14174660 * 5961،5899 = 37459،84 كم
وبالرغم أن نتائج قياسات البيروني لم تكن بدقة فلكيي المأمون، إلا أن البيروني ذكر أن: "امتحانه هذا التقريبي كفانا دلالة على ضبط القياس المستقصى الذي أجراه الفلكيون في أيام المأمون"

اخوكم القاضي
sh